للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفرق المسلمين في الوقت الحاضر]

تفشت إلينا في أزماننا هذه بدع ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وتحزبات وجماعات شتت المسلمين، وفرقت شملهم؛ فتجد في المدينة الواحدة مائة جماعة، هذه جماعة الإخوان المسلمين، وتلك جماعة السلفيين، وتلك جماعة الجهاد، وتلك الجماعة الإسلامية، وتلك الجمعية الشرعية، وهذه التكفير والهجرة، أسماء ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ونحن من هذا الموقع نظهر ديننا، وندعو إخواننا إلى ما دعانا إليه ربنا.

اسمعوا -يا مسلمون- لسنا منتظمين مع أي جماعة من الجماعات على الإطلاق، المسلمون كلهم لنا إخوة كما قال الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات:١٠] نتعاون مع كل مسلم في حدود استطاعتنا، وفيما يقره شرعنا، وهذه المسميات أورثت تعصبات وحزبيات وعداوات لا حصر لها، يأتي العالم ممن ليس في جماعتك فلا تحضر له درساً، ولا تسمع منه آية ولا حديثاً، ثم يأتي عالم أو جاهل من جماعتك ومن حزبك فتقوم له وتقعد، وتدعو إليه القاصي والداني، وهذا ليس من الإنصاف في شيء، فربنا أمرنا أن نكون كما قال: {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:١٣٥] .

إمارات شتت المسلمين وفرقت جمعهم، وكل يدعي أن عمله الجماعي دعا إليه الإسلام، حقاً العمل الجماعي دعا إليه الإسلام، ولكن أي جماعة هي؟ إنها الجماعة العامة للمسلمين، ليست جماعة ولا حزباً يضحك عليه ويأمرِّ عليه أميراً، ويبدأ العمل السري الذي هو أخطبوط لا تدري ما مصدره ولا منتهاه.

صحيح أن العمل الجماعي مستحب، ولكن بين عموم المسلمين، والعمل الجماعي ليس محصوراً في فئة يضحك عليها شخص أنه أمير لها، ويأتي حدث من الأحداث يعين أميراً للدقهلية، أو أميراً للغربية، ويفرح بالإمارة ويبدأ في تجميع الناس حوله.

أصبحت هذه بدع بالية والحمد لله، طغت عليها كلها أقوال سلفنا الصالح من أصحاب رسول الله، ومن التابعين لهم وأتباع التابعين.

وقد كان سبب ذهاب دولة الأندلس ومطالعه وبشائره السيئة هذه الفرقة التي حدثت في بلاد المسلمين الآن، جماعات متعددة، الكل يتناحر، والكل يغتاب الآخر، والكل بعيد عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فدعوة -معشر الإخوة- إلى الالتمام والانطواء تحت كتاب الله وسنة رسول الله، والسير على ما سار عليه أصحاب نبينا، وأتباع نبينا؛ إذ هم خير القرون، قال عليه الصلاة والسلام (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب) كما قال الرسول عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.

وإنه لعجب أن يتجه أقوام إلى دينهم، يخرجون من الجاهلية، ومن لوث المعاصي، ويبتدئون في الاتجاه إلى الدين، وإذا بالأنياب تختطفهم، هذا يريدهم مع الإخوان المسلمين، وهذا يريدهم مع الجهاد، وهذا يريدهم مع التنظيم السلفي، وهذا يريدهم مع أنصار السنة! أشياء تشتت على الشخص فكره، وتشعب على المبتدئ فكره وعقله، ومن الذي يعلم الناس كتاب الله؟ ومن الذي يعلمهم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فمعشر الإخوة! رجعة إلى أصحاب رسول الله، ورجعة إلى منهج أصحاب رسول الله.

ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حدثت بينه وبين ابن الزبير خلافات، فحواها وسببها: أن ابن الزبير لما مات معاوية، وولي ابنه يزيد الخلافة عن غير إمرة شرعية حقيقية، بل كانت سنة غير متبعة، حينها بويع لـ ابن الزبير من أهل مكة، ومن أهل الحجاز قاطبة، ومن أهل العراق، ومن عدة دول، وامتنع عليه أهل الشام في طائفة، فجيء لـ ابن عباس كي يبايع، فقال: لا أبايع حتى يجتمع المسلمون كلهم على إمام واحد، وانضم إلى ابن عباس في هذه الوقفة محمد بن الحنفية العالم الحبر الكريم ابن علي بن أبي طالب، وكان مآلهما إلى أن أخرجا وأبعدا إلى الطائف رحمة الله ورضوانه عليهما.

الشاهد: أن ابن عباس لم يرض أن ينطوي تحت لواء إلا إذا اجتمع المسلمون كلهم على هذا اللواء.

ثم يأتي من يشغب بأحاديث يفهمها للناس على غير وجهها، يشعب عليهم بحديث الرسول (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ، وهذا التشغيب مرفوض، فما هي البيعة؟ هل يصح أن آخذ ثلاثة أو أربعة، أو مائة أو ألفاً، وأخدعهم وأقول لهم: أنا أميركم بايعوني وإلا فستموتون ميتة جاهلية؟ من الذي قال ذلك؟ الإمام أحمد روي أنه قال في شرحه لهذا الحديث: هذا في الإمام الذي يجتمع عليه المسلمون، ويشار إليه بالأصابع.

أما التشعبات والتفرقات فقد قال فيها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) ، فمن هو الخليفة الآن؟ إنها أصبحت فوضى، كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في حديث حذيفة بن اليمان إذ قال له: (فماذا تأمرني يا رسول الله؟ قال: اعتزل تلك الفرق، ولو أن تعض على أصل شجرة) ، لكن العلماء يضبطون هذا الحديث: اعتزلهم في الشر، وشاركهم في الخير، شارك المسلمين في جنائزهم، شاركهم في أعمال البر التي يقومون بها، ولا تحكر نفسك على جماعة بعينها، كتاب الله ليس فيه أن جماعة باسمها يجب أن تتبع دون غيرها، سنة رسول الله بين أيدينا هي الحكم على القاصي والداني، إن زلت قدم شخص كائناً من كان أو وقع في شيء من هذه الأمور فإنه لا يتبع، هذا الله قد وطأ لذلك بفعل الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما استغفر لأبيه، فقال الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة:٤] .

أيها الإخوة! مضت عهود البدع والخرافات، والضحك على الشباب، والضحك على الأخوات، مضت هذه العهود بما فيها، أيام كان الجهل فيها يغطي على الأفئدة، والآن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ظاهرة للجميع، الكل لنا إخوان مسلمون، الكل إخواننا في الله، نحبهم بقدر ما فيهم من صلاح، ولا نحمد فيهم خصالهم السيئة، كذلك جعلنا ربنا أمة وسطاً.

قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤] .