قال تعالى:{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}[يوسف:٧٧] ، وهكذا ينبغي أن يكون أهل الإيمان وأهل العقل الراجح والمسئولون عن الأعمال، عليهم أن يكونوا حلماء، عليهم أن يكونوا من الصابرين ضابطي النفس غير المتهورين؛ فيوسف عليه السلام نبي عاقل كريم ليس سريع الغضب ولا سريع الانفعال؛ بل هو هادئ يستمع ويصبر على ما يلاقي من الأذى، وعلى ما يسمع من الكلمات الشديدة اللاذعة.
{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}[يوسف:٧٧] ، لم يظهرها لهم يوسف صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينبغي أن يتحلى المسئول عن العمل بالحلم وترك المعاجلة بالعقوبة؛ فالحليم: هو الذي لا يعاجل بالعقوبة، بل يصبر ويتريث، وينظر بعد ذلك هل الأمر هذا يستحق المعاقبة على فعله أو لا يستحق.
وكما لا يخفى أن الله وصف إبراهيم عليه السلام الذي هو جد يعقوب أبي يوسف عليه السلام وصفه بالحلم، ومناسبة ذلك: أنه قد صدر من قوم لوط ما صدر من جرم وفحش ومنكر، ومرت الملائكة عليهم السلام بإبراهيم صلى الله عليه وسلم وهم في طريقهم لتدمير مدائن قوم لوط، فسألهم إبراهيم عليه السلام إلى أين يذهبون، قالوا:{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}[هود:٧٠] ، أي: لندمر عليهم مدائنهم، يقول تعالى:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}[هود:٧٤] ، أي: يطلب إمهال قوم لوط، ويطلب تأخير العذاب عن قوم لوط، فأثنى الله عليه بقوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود:٧٥] ؛ فالحليم هو الذي لا يعاجل بالعقوبة، لكن لم يجب إبراهيم إلى طلبه؛ لأن أمر الله قد جاء، قال الله:{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[هود:٧٦] .
فينبغي أن يتسم الفضلاء بالحلم، وألا يكونوا سريعيِّ الانفعال، إنما يتريث أحدهم ويدرس المسألة، ويعيد النظر وينظر مرة ثانية وثالثة: هل الأمر يستحق العقاب أو العفو؟ وما نوع العقاب الذي يستحقه الأمر؟ هل عقاب بالكلمة يكفي، أم عقاب بالسوط، أم عقاب بالسجن واللازم المطلوب؟ فينظر ويعيد النظر مرة بعد مرة.
قال تعالى:{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ}[يوسف:٧٧] ، أي: لم يظهرها لهم عليه الصلاة والسلام، {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}[يوسف:٧٧] .