للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عتب يعقوب على أبنائه]

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف:٨٣] ، أي: زينت لكم أنفسكم أمراً، وحسنت لكم أنفسكم تدبيراً ومكراً، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف:٨٣] ، صبر جميل لا شكوى معه إلا الله، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:٨٣] ، العليم بحالي، العليم بكبر سني، العليم بما أصابني، وبالحزن والهم الذي حل بي.

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [يوسف:٨٤] ، أي: أعرض عنهم وانصرف، فلم يقبل عليهم، وقد أصيب بسببهم برزيتين كبيرتين: بفقدان يوسف عليه الصلاة والسلام، ولم يدر ما صنعوا به، ثم بفقدان أخيهم واتهامه بالسرقة إلى من يشكو؟ إلى عدو شامت، أو إلى جار حاسد، أو إلى متربص يتربص به الدوائر؟ ومن يشكو؟ أيشكو أبناءه الذين هم من صلبه؟!! إلى من يشكو إلا إلى الله سبحانه وتعالى الذي يسمع ويرى.

قال تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:٨٤] ، أنساه حب يوسف شأن بنيامين، (وَقَالَ يَا أَسَفَى) أي: يا أسف تعال وحل، تعال وحل يا ندم، {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] ، أي: ممتلئ هماً وغماً وكرباً ونكداً، فالكظيم هو الممتلئ، ومنه قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] .

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] ، تبدل سواد العين بياضاً، وهو ممتلئ حزناً وهماً وغماً عليه الصلاة والسلام، {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يوسف:٨٥] ، أي: حتى يبلى جسمك، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف:٨٥] ، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:٨٦] ، أشكو ما بداخلي من هموم وغموم وآلام وأحزان إلى الله، {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٦] .