{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ}[يوسف:٣١] ، أي: بخوضهن في عرضها، {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}[يوسف:٣١] ، مجلساً يتكئن عليه، وقدمت لهن أنواع الأطعمة والأشربة، وأنواع الفاكهة، {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا}[يوسف:٣١] ، وهذا من دهاء هذه المرأة، فهي امرأة من ذوات الحيل، وقد ظهرت حيلها من سيرتها، لكن كلل الله أعمالها بالستر بعد ذلك.
وهل لنا نحن أن نأكل ونحن متكئون؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني لا آكل متكئاً) ، فيكره الأكل وأنت متكئ، لكنه لا يحرم، وفي الاتكاء قولان للعلماء: القول الأول: أن الاتكاء الميل بأحد الشقين على الأرض، والقول الثاني: الاتكاء هو: التربع.
{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} ، أي: أعطت كل واحدة منهن سكيناً، {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ}[يوسف:٣١] ، وهو عبد مأمور في بيت ساداته، فخرج يوسف صلى الله عليه وسلم، ولكن سياق الكتاب العزيز موجز، فلم يقل: فخرج عليهن، وإنما فهم ذلك من السياق، {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}[يوسف:٣١] ، أي: أعظمنه وأجللنه، ورفعن شأنه، وهو مرفوع الشأن عليه الصلاة والسلام، (أَكْبَرْنَهُ) : أعظمنه إعظاماً شديداً لا يوصف.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} ، انظر كيف صنع جمال يوسف بعقول هؤلاء النسوة!! لقد ذهب بعقولهن، حتى إن المرأة منهن تقطع يديها وهي لا تشعر بألم القطع؛ إذ الذهن كل الذهن منصب على رؤية يوسف الصديق، وكما سلف: أنه قد أوتي شطر الحسن عليه الصلاة والسلام، ونصف الحسن الآخر قسم على العالم كله، أما يوسف فقد استأثر بشطر الحسن، فلم تشعر النسوة مع جمال يوسف ونظرهن إلى جمال يوسف بالأيدي وهي تقطع.
{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}[يوسف:٣١] ، أي: ما هذا إلا ملك كريم، فما ظنك بالحور العين؟! وما ظنك بأهل الجنة ونسائها اللواتي وصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(يرى مخ سوقهن من وراء اللحم من الحسن) ؟!