للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم)]

ثم ذكرنا الله سبحانه وتعالى وحذرنا فقال: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:٨٣] وحذف المشار إليه لفهم العرب له، فالذي بلغ الحلقوم هو الروح، والكل يفهم ذلك، فإذا كان الكل يفهم ذلك، فلا معنى لإيراد هذه الكلمة ما دام الناس يفهمونها، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين.

{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:٨٣] أي: الروح بلغت الحلقوم.

{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:٨٤] وأنتم -يا أهل الميت- تنظرون إليه وهو محتضر، وتنظرون إليه والروح عند الحلقوم، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٤-٨٥] من العلماء من قال: إن المراد بـ (نحن) : ملائكتنا؛ لأن الله قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ، ومنهم من قال: نحن أقرب إليه منكم، أي: بعلمنا ورؤيتنا واطلاعنا وإحاطتنا، فإن الله سبحانه مستوٍ على العرش، وهو في السماء كما وصف نفسه في جملة من الآيات.

ويؤيد المعنى الأول -أن المراد: ملائكتنا- أن الله سبحانه قال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام:٩٣] لرأيت منظراً عظيماً {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ} [الأنعام:٩٣] أي: بالضرب: {أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:٩٣] ، وقال في الآية الأخرى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} [الأنفال:٥٠] لرأيت منظراً بشعاً {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:٥٠] ، ضرب على الوجوه وضرب على الأدبار في ساعة الاحتضار، وأنت جالس ولكنك لا ترى هذه المناظر البشعة! وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا أتته ملائكة سود الوجوه، معهم مسوح ... ) الحديث إلى آخره، وفيه: (فيجلسون منه مد البصر، فيأتي ملك الموت فينتزع الروح من الجسد كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فلا يدعونها في يده طرفة عين) كل هذا يحدث وأنت جالس، ولكنك لا ترى شيئاً! يقول الله سبحانه: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:٨٦] أي: لله سبحانه وتعالى، قيل: مجزيين، وقيل: محاسبين، وقيل: غير مدينين بفضل الله {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:٨٧] .