للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هداية الله لامرأة فرعون]

إن الذي يتلو كتاب الله ويتدبره يدرك تماماً أن الهادي هو الله سبحانه وتعالى، امرأة تحت نبي من الأنبياء، ومن أولي العزم من الرسل وهو نوح صلى الله عليه وسلم، وهي -والعياذ بالله- كما قال الله عنها: {ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:١٠] ، امرأة تحت أفجر وأظلم رجل عرف في التاريخ وتقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:١١] ، وتكون من سيدات نساء أهل الجنة.

كما أن نبياً كريماً أبوه نبي وجده نبي وولده نبي، وهو يعقوب صلى الله عليه وسلم، أبوه إسحاق الكريم وجده إبراهيم الكريم الحليم، وولده يوسف الصديق الكريم، ومع ذلك من أحفاده من مسخوا إلى قردة وخنازير! تخيل وتصور أن نبياً من ذريته من يمسخ إلى قردة وإلى خنازير، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:٦٠] ، من هم هؤلاء؟ هم ذرية يعقوب صلى الله عليه وسلم! فأمر الهداية لا يملكه أي شخص كائناً من كان إلا الله سبحانه وتعالى، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ما من قلب أراد أن يُقيمه إلا أقامه، وما من قلب أراد أن يزيغه إلا أزاغه، وقصص القرآن الكريم تؤيد لنا هذا المعنى حتى لا نأسى على القوم الكافرين، وحتى لا تذهب أنفسنا على قوم حسرات، تخيل نبياً كريماً خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء؛ ينزل إلى الأرض وهو نبي كريم تائب تلقى كلمات من ربه فتاب عليه، ويُبتلى ببلية عظمى، ما هي هذه البلية؟ أحد أبنائه يقتل الآخر! تخيل لو حدثت لك هذه الحادثة، جاء أحد بنيك وقتل الآخر ظلماً وعدواناً! على من تبكي يا ترى؟! على القاتل الذي أوجب لنفسه بفعله النار، أو على المقتول الذي ذهب ولم يعد إلى يوم الدين، بل قد تتجه إليك أنت التهم، في حياتنا الدنيا إذا جاء ولد من أبنائك وقتل الآخر، تجد التهومات تنصب عليك أنت، لعله كان يكسب من الحرام، لعل أحدهما ولد زنى، لعل لعل تأتي التهومات لك في بيتك وفي داخل دارك، فالهادي هو الله سبحانه وتعالى، ليس لنا من أمرنا شيء، والواقع يثبت لنا ذلك، تجد فاجراً من الفجار وابنه في غاية الصلاح، وتجد رجلاً في قمة الصلاح وابنه شرير مفسد.

فالهادي هو الله سبحانه وتعالى، وإن وضع المربون للتربية قواعد، وإن أسسوا لها الأسس، فإنما هي أسباب يؤخذ بها ولكن يُعتقد دائماً أن الهادي هو الله سبحانه وتعالى؛ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] .