للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الحركات والصرع التي يفعلها البعض في الصلاة عند سماع القرآن]

السؤال

ما مدى صحة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: حينما سمع رجلاً شهق شهقة شديدة وهو يصلي بالناس، فقال: (من هذا الذي جاء يلبس علينا في ديننا، إن كان صادقاً شهر نفسه، وإن كان كاذباً محقه الله) ؟

الجواب

لا يثبت، لكن ذكر القرطبي رحمه الله كلاماً طيباً في هذا الباب؛ لأنه يوجد في بعض المساجد حتى مساجد أهل السنة بعض الإخوة المخرفين، يتنطط أثناء الصلاة، ويقوم ويرتفع وينخفض، ويضرب أحياناً برجليه في الأرض، وأحياناً بعضهم يكاد يصرع.

فأورد القرطبي مقولات -على ما يحضرني- عند تفسير قوله تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] أورد مقولات وشجب هذه الأفعال، وحاصل الشجب ينبني على أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم هم خير الناس وخير القرون، ولم تتفش فيهم هذه الأشياء، فلم يصرع أحد منهم عند الآية، أو يغش عليه، أو مثلاً يرتفع إلى السماء وينخفض ويضرب برجليه الأرض.

أصحاب الرسول ما حصلت فيهم هذه الأشياء بأسانيد ثابتة صحيحة، فقد كانوا أورع الناس وما صدرت منهم هذه الخزعبلات، وأورد أثراً، قالوا إنه من طريق عمر بن عبد العزيز عن ابن سيرين، وقد ذكر له رجل يغشى عليه عند تلاوة القرآن، قال: دعوه على سطح منزل، واتلوا عليه كتاب الله، فإن سقط فهو صادق.

ومن المستحيل أن يسقط! وأيضاً: أورد عن ابن عمر آثاراً فيها: كنا أخشع الناس -أو كلمة بمعناها- وكان القرآن يتلى علينا ونحن أصحاب رسول الله، فما نصرع.

رضي الله تعالى عنه.

وما شاع هذه الأيام إنما يلبس به على أهل الجهل، لأن خير الناس هو رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن بعده أصحابه، إذا تليت عليهم آيات القرآن كانوا {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:١٠٩] ، أما الخرافات التي تنشأ والأشياء التي تنسج في هذا الباب، كأحدهم يقوم في أثناء الصلاة يقفز إلى أعلى وينزل إلى أسفل، ويضرب برأسه من حوله، فهذا نوع من أنواع التخاريف والخداع والغش للناس، وأسوتنا هم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالذي وسعهم يسعنا، كانوا يبكون عند استماع القرآن، ولا يحدث لهم شيء من هذه الخرافات.

أما فقدان الوعي الكامل، فمن من الصحابة فقد عقله عند تلاوة القرآن، أو هذى وخرف عند استماع القرآن، فليراجع من شاء المقولة القصيرة التي ذكرها القرطبي في تفسير سورة الزمر، والله تعالى أعلم.