تفسير قوله تعالى: (إن للمتقين مفازاً)
أما حال أهل الإيمان فقال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ:٣١] ، والمفاز من الفوز، وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، وما هي صورة الفوز التي فازوا بها؟ قال تعالى: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النبأ:٣٢] ، فهذا هو الطعام، {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ:٣٣] ، والكاعب من النساء هي: المرأة التي لم يتدل ثديها، والمرأة إذا تزوجت وحملت ووضعت أصبح ثديها متدلياً كما هو معلوم، لكن إذا كانت بكراً فيكون ثديها متماسكاً، فالكواعب من الأبكار، والبكر هي التي لم يتدل ثديها، (أتراباً) أي: أعمارهن واحدة.
{وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ:٣٤] ، قال بعض العلماء: الدهاق هي الكأس الممتلئة، وقال آخرون: هي الكأس التي فيها شراب صافٍ.
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا} [النبأ:٣٥] .
من العلماء من قال: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} ، أي: في الجنة {لَغْوًا وَلا كِذَّابًا} فليس هناك كلام لا فائدة فيه، وليس هناك تكذيب من شخص لشخص آخر في الجنة.
ومن العلماء من قال: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} ، أي: أثناء شربهم للكأس من الخمر كما هو حال أهل الدنيا، فإذا شرب رجل في الدنيا كأساً من الخمر فإنه يلغو ويسب ويكذب الناس ويكذبونه، كما حدث ذلك على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هو معلوم في قصة حمزة عندما شرب الخمر حتى ثمل وذلك قبل تحريم الخمر، فقال له الرسول: (لماذا صنعت هكذا؟) فنظر إلى الرسول من أعلى إلى أسفل وقال: وهل أنتم إلا عبيد لآبائي!! فأهل الجنة لا يسمعون لغواً عند شربهم لكأس الخمر، فلا تذهب عقولهم، ولا يتقولون بكلام فيه لغو ولا تكذيب.
فهذان تأويلان لأهل العلم في هذه الآية، وهذه الآية كقوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:٢٥-٢٦] .
{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابَاً} [النبأ:٣٦] ، أي: على أعمالهم الصالحة.
{يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:٤٠] ، أي: ينظر المرء ما عمل، ومن المراد بالمرء هنا؟ من العلماء من قال: إن المراد به المسلم، ودل على هذا التعقيب بالكافر.
ومنهم من قال: المرء عام، فكل امرئ ينظر ما قدمت يداه، والكافر لما يرى السوء الذي قدمته يداه يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} .
{وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠] ، من العلماء من قال: إن الكافر يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} عندما يرى البهائم قد تحولت إلى تراب، ولم يرد بهذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما علمت، لكن البهائم تحشر لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) كما في صحيح مسلم، لكن من العلماء من قال: تحشر ويقتص لبعضها من بعض ثم يقال لها: كوني تراباً، فحينئذٍ يقول الكافر {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} ، وهذا القول الأخير هو قول جمهور المفسرين، لكن لم نقف في ذلك على خبر ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وسلم.