[تفسير قوله تعالى: (وإنه لتذكرة للمتقين)]
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الحاقة:٤٨] ، أي: لا ينتفع بهذه التذكرة إلا المتقون، الذين يخشون ربهم ويتقون عذابه.
قال تعالى: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} [الحاقة:٤٩] أي: لا يخفى علينا أمركم ولا حالكم.
{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الحاقة:٥٠] ، حسرةٌ من مَن؟ جاء في الآية الكريمة في سورة (يس) : {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس:٣٠] ، من الذي يتحسر على العباد؟ وهنا يقول تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} ، من الذي يتحسر على الكفار؟ من العلماء من قدّر أشياء في الآية وقال: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس:٣٠] ، أي: يا حسرة المتحسرين! تعالي وحلي على هؤلاء الكفار، ويا من تتحسرون! تعالوا وتحسروا على هؤلاء، فليست ثم حسرة أكبر من الحسرة على الكافرين.
يا أيها النادمون! تعالوا إن كان هناك مجالٌ للندم، فلا تندموا على شيء فاتكم في حياتكم، بل اندموا على أمر أخراكم، تحسروا على الكافرين، ألا ها هنا يصب الندم وهاهنا تتنزل الحسرات، وهاهنا تقتطع الأنامل من الغيظ.
{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة:٥١] ، قد سبق بيان: إن العلم على ثلاث مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، ومثلنا ذلك: بأنك إذا سمعت عن الكعبة، فعندك علم يقين بأن هناك بمكة كعبة، لكن إذا جئت ورأيت الكعبة بعينيك أصبح هذا العلم عين اليقين.
فإذا جئت ودخلت الكعبة ولمست أحجارها أصبح العلم بها حق اليقين، كما قال تعالى في شأن الجحيم: {ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:٧] ، فكلنا -أهل الإيمان- نعلم أن هناك ناراً، فهذا علم يقين بالنسبة للمؤمنين.
فإذا جاء شخص ورآها: {ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:٧] ، رؤيا حقيقة، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:٧١-٧٢] وعند المرور على الصراط يراها الناس.
والجنان أيضاً إذا أردت أن تراها، كما قال تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٥-٥٦] ، لكن إذا دخلها الشخص الكافر أصبح الدخول حق اليقين، قال تعالى: (وَإِنَّهُ) ، أي: القرآن.
ليس علماً يقيناً فحسب، وليس عين اليقين فحسب، بل هو حق اليقين، باشرته ولمسته قلوب المؤمنين، فحل في قلوب أهل الإيمان، فلم يصبح عند أهل الإيمان علم يقين ولا عين يقين، بل أصبح حق اليقين: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة:٥١-٥٢] .
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال: (اجعلوها في ركوعكم) ، وهل وجودها في الركوع على السنية أم على الاستحباب أم على الإيجاب؟ الأكثرون أنها مستحبة، ومن العلماء من يرى الوجوب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وسلم.