للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مواقيت الصلاة]

قال تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ} [النساء:١٠٣] أي: ذهب عنكم العدو {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء:١٠٣] أي: أتموها، أي: إذا كنتم حضوراً.

{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣] أي: مؤقتاً، محدداً بوقت، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها) ، وفي رواية: (الصلاة على وقتها) ، وقد نبهنا أن من الناس من يروي الحديث أحياناً بالمعنى فيخطئ، فمن الناس من قال: (أحب الأعمال إلى الله الصلاة في أول وقتها) وهذه رواية وردت، ولكن عند التحقيق نجد إسنادها ضعيفاً، أما رواية الصحيحين فهي: (الصلاة لوقتها) ، فرواية: (الصلاة في أول وقتها) ضعيفة الإسناد، ثم من ناحية المعنى هناك إشكالات؛ لأنه أحياناً يسلم القول بأن الصلاة في أول وقتها أفضل، وأحياناً لا يسلم.

فصلاة العشاء مثلاً ليست أفضل في أول وقتها، بل إذا أخرت العشاء ما لم يشق على المأمومين فتأخيرها أفضل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا وقتها لولا أن أشق على أمتي) فوقتها يبدأ بسقوط الشفق الأحمر.

وصلاة الظهر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة -أي: انتظروا حتى يبرد الجو- فإن شدة الحر من فيح جهنم) وفي بعض أوقات السنة في صلاة الفجر قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أسفروا بالصبح، فإنه أعظم للأجر) .

أما وقت صلاة الفجر فقد جاء فيه جملة نصوص، تبين أنه يبدأ من رؤية الخيط الأبيض من الخيط الأسود وينتهي بطلوع الشمس، ويستحب في بعض أوقات السنة أن تصلي صلاة الفجر في أول وقتها؛ لحديث أم المؤمنين عائشة: (كان النساء ينصرفن من صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بما يقارب الستين إلى المائة آية، ومع ذلك تنصرف النساء متلفعات بمروطهن.

(لا يعرفن من الغلس) ، أي: من اختلاط ظلام الليل ببياض النهار، فيدل هذا على أنه عليه الصلاة والسلام كان يبكر بصلاة الفجر.

وورد حديث: (أسفروا بالصبح) ومعناه أي: انتظروا حتى يظهر الصبح ويتأكد من دخوله، ويظهر البياض.

و (أسفروا) من قولهم: أسفرت المرأة إذا كشفت.

وظاهر الحديثين أن بينهما إشكالاً: (أسفروا بالصبح فإنه أعظم للأجر) ، وحديث: (كن ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) ، فمن العلماء من سلك هذه الوجهة، ومنهم من سلك هذه الوجهة.

- فالأحناف في باكستان يدخلون الصبح قبيل طلوع الشمس، وإذا دخلوا مبكرين يستمرون في القراءة أحياناً حتى تطلع عليهم الشمس وهم يصلون، ويستدلون بحديث: (أسفروا بالصبح فإنه أعظم للأجر) ، وبعضهم يعكس القضية.

- ومن أهل العلم من حاول الجمع، فقال: نبدأ بصلاة الفجر في أول وقتها ونطيل القراءة حتى يسفر علينا الصبح، ولكن هذا ما زال معارضاً بقول أم المؤمنين: (ما يعرفن من الغلس عند الانصراف) .

- ومن أهل العلم من قال: إن هذا يتنزل على بعض أيام السنة دون بعض، وهذا وجه طيب وقوي، فبعض أيام السنة ينصرفن من الصلاة لا يعرفن من الغلس، وهي الأيام التي يطول فيها الليل، فيأخذ النائمون حظهم من النوم، فيقومون إلى الصلاة مبكرين، فيصلي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصرف النسوة متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس.

وفي الليالي القصيرة ينتظر حتى يقوم النائمون من نومهم؛ لأنك إذا انتهيت من صلاة العشاء وجلست بعد العشاء وجدت الساعة الثانية عشرة أو الواحدة، ولم يبق إلا ثلاث ساعات للفجر.

فمن العلماء من قال: هذا يتنزل على الليالي طويلة الليل، وهذا يتنزل على الليالي قصيرة الليل.

فالله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب في هذا، والحمل على التنويع الظاهر فيه أنه أولى؛ لأنه مسلك يسلكه كثير من الفقهاء في كثير من المسائل، كصلاة الخوف التي تقدمت أحياناً صلى الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا، وأحياناً صلى هكذا، وأحياناً صلى على هذا النحو، والله أعلم.

أما صلاة الظهر فإذا اشتد الحر أخرناها، وإذا دخل البرد أو كان الجو طيباً بارداً صليناها في أول وقتها، وأول وقتها هو زوال الشمس عن منتصف السماء، ونعرف ذلك: أن تأتي بعصا أو أن يقف الإنسان في الشمس، عند الساعة العاشرة صباحاً -مثلاً- فترى ظل في اتجاه اليسار، وهذا الظل يبدأ في التناقص والتناقص إلى أن يأتي وقت يثبت عنده الظل ويبدأ في التحول من النقصان إلى الزيادة في الاتجاه الآخر، فيسمى هذا الوقت وقت الزوال.

أي: أن الشمس زالت إلى الناحية الأخرى، وفي هذا الوقت -وقت الزوال- تكره الصلاة، لكن إذا زالت الشمس مباشرة دخل وقت صلاة الظهر.

وهل هذا التوقيت يكون للجمعة أو للجمعة شأن خاص؟ جمهور أهل العلم يقولون: نعم يكون وقت الجمعة مثل وقت الظهر تماماً.

لكن الحنابلة يقولون: لا، بل وقت الجمعة يبدأ من وقت صلاة العيد أو من وقت الضحى، فعندهم تجوز صلاة الجمعة الساعة العاشرة، وهذا يفعله بعضهم في بلاد الحرمين الآن كالدمام وغيرها، يصلون الجمعة مثلاً الساعة الحادية عشرة، والظهر وقته في التقويم الساعة الثانية عشرة مثلاً.

ما دليلهم على ذلك؟ استدلوا بما ورد عن بعض الصحابة أنه قال: (كنا ننصرف من صلاة الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس للتلول فيء يستظل به) والتلول جمع تل، وهو الجبل الصغير.

والفيء هو الظل إذا ارتد من الناحية الثانية، أي: أن الظل في الصباح في هذا الاتجاه، فإذا بدأ يتجه إلى الناحية الأخرى يسمى فيئاً، فقوله: (ليس للتلول فيء يستظل به) أي: لم تزل الشمس، لأن الشمس إذا زالت أصبح للتلول فيء، ومن ثمّ دخل وقت الظهر، فمادام الصحابي قال: (ليس للتلول فيء يستظل به) دل ذلك على جواز الصلاة قبل الزوال.

أما الجمهور فقالوا: إن معنى قول الصحابي: (ليس للتلول فيء يستظل به) ليس صريحاً في نفي الفيء، فقد يكون الفيء قليلاً يصلح للاستظلال، فيصبح كالمعدوم، فيدل على أننا نبكر بالجمعة بعد الزوال مباشرة، فهذا هو قول الجمهور في هذا الباب.

أما بالنسبة لوقت العصر فيبدأ إذا صار ظل كل شيء مثله، كما في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هل يضاف ظل الزوال أو لا يضاف؟ تقدم ظل الزوال، لكن إذا وقفنا أنا وأنت وقت الظهر أو الساعة العاشرة مثلاً، وكان الظل طوله ثلاثة أمتار في اتجاه اليمين، أو أن ظل كلما دخل الوقت تناقص، ثم جاء عند الزوال مثلاً ثبت طوله متراً، ثم بدأ يتحول إلى الناحية الأخرى ويزداد متراً وخمسة أمتار وعشرة، فهذا ظلك عند وقت الزوال الذي هو متر يسمى (ظل الزوال) ، أي: هو الظل الذي هو ثابت للشيء بعد تحوله من الطول إلى القصر وإلى الطول مرة ثانية.

فهذا ظلك وهذا هو وقت الظهر فهل يضاف إلى هنا الظل مثله كي يدخل وقت العصر أم لا يضاف؟ بمعنى: هب أنني مسكت عصا ووضعتها وقت الظهر عند الزوال وطول ظلها ١٠سم، وطولها هي متر، فوقت العصر يدخل إذا كان طولها متراً وعشرة سم.

يعني: طولها الأصلي يضاف إليه طولها ساعة الزوال، وهذا رأي جمهور أهل العلم، أن وقت صلاة العصر يبدأ إذا صار ظل كل شيء مثله مضافاً إليه ظل الزوال، وإضافة ظل الزوال إلى ظل المثل لم يرد في حديث الرسول، بل ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر) ليس فيه إضافة ظل الزوال، لكن جمهور العلماء قالوا: هذه متعينة؛ لأنه أحياناً قد تكون واقفاً في الظهر وظلك متراً عند الزوال في بعض أيام السنة فهل معنى ذلك أن العصر يبدأ؟

الجواب

لا؛ لأن بينهما وقتاً بلا شك.

أما الأحناف فقد استدل بعضهم باستدلال غريب مضحك، على أن وقت العصر يبدأ إذا صار ظل كل شيء مثليه، استدلوا بحديث الأجير الذي استأجر أجراء فعملوا له نصف النهار، -حديث اليهود أو النصارى- ثم تركوا الأجر وجاء وقت الظهر إلى العصر، ثم تركوا الأجر فعملت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأصابت أجرين، وهذا استدلال لا أعرف له وجهاً أصلاً، والإعراض عنه أولى.

أما وقت المغرب فإنه يبدأ بمجرد غروب الشمس وينتهي بسقوط الشفق الأحمر، وهو الحَمار الذي يكون في اتجاه غروب الشمس، والشفق شفقان: شفق أحمر يكون في اتجاه غروب الشمس وبسقوطه يدخل وقت العشاء.

وشفق أبيض قد يمتد في بعض ليالي السنة إلى منتصف الليل.

أما وقت العشاء فإنه يبدأ بسقوط الشفق الأحمر، وأما نهاية وقت العشاء فمن أهل العلم من قال -وهو اختيار البخاري -: أنه إلى منتصف الليل؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (وقت النبي صلى الله عليه وسلم العشاء إلى منتصف الليل) .

وأما الجمهور فقالوا: إن وقت العشاء يمتد إلى صلاة الفجر، لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى) لكن استثني من هذا الحديث صلاة الصبح بالإجماع، فوقتها ينتهي بطلوع الشمس.

وأما وقت الضحى فإنه يبدأ من ارتفاع الشمس في السماء بقدر رمح أو رمحين، وهناك مسائل تتعلق بالكتاب الموقوت تأتي في باب آخر، والله سبحانه أعلم.