قال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[الجن:١٩] عبد الله هو: رسول الله عليه الصلاة والسلام، (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) يدعو ربه، يدعو الله.
أي: جمع بعض الشعر إلى بعض، كما في الحديث:(إني لبدت شعري وقلدت هديي) فالتلبيد: جمع الشعر بعضه إلى بعض بالصمغ، (كَادُوا) أي: كاد الجن (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) التفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطبقوا عليه، وهذه الآية للعلماء فيها قولان: القول الأول: أن الجن والإنس الكفار لما سمعوا مقالة رسول الله، وتلاوته اجتمعوا على رسول الله، وتلبدوا حول رسول الله كي يطفئوا نور الله، ولكن الله أظهره.
القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ القرآن، اجتمعت الجن وتلبدت حوله، وركب بعضهم فوق بعض حتى يستمعون لهذا القرآن.
فإما أن يكون تفسير:(كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) أي: لحجبه وإطفاء نور الله، ولكن الله أظهره، أو يكون تفسيرها: للاستماع والإنصات لهذا القرآن العجب.
قال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا}[الجن:١٩-٢١] هذا قول رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الجن:٢٢] أي: مهرباً أهرب فيه.
{إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[الجن:٢٣] العصيان هنا محمول على الكفر، لأنه أوجب الخلود، لكن مجرد العصيان لأمر من الأوامر أو لنهي من النواهي، لا يوجب الخلود، فالعصيان الموجب للخلود هو الكفر.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}[الجن:٢٤] خبر يحمل معنى التهديد.