هنا أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى قصة العتبي، وقد ليم الحافظ ابن كثير على إيراده لها مع سكوته عليها، وهذه إحدى المآخذ التي أخذت على الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، فهو وإن كان مسدداً في تفسيره، والغالب عليه التوفيق إلا أن هذا من المآخذ التي أخذت عليه رحمه الله تعالى، أورد قصة العتبي الذي كان جالساً بجانب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ يثني على رسول الله ويقول: جئتك مستغفراً يا رسول الله! فاطلب من الله أن يغفر لي وأنشد أبيات شعر: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه.
إلى آخر أبيات الشعر ثم انصرف الرجل، فنام العتبي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: اذهب إلى الأعرابي وقل له: إن الله قد غفر لك، فهذه القصة لا نعلم لها إسناداً البتة، ثم هي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤخذ منها دليلٌ ملزم، ثم هي رؤيا منامية والرؤيا المنامية لا تبنى عليها أحكام، فأخذ منها أهل التصوف أنهم يذهبون إلى قبر الرسول، ويطلبون من رسول الله أن يستغفر لهم ربه، ولو كان الأمر على ذلك لفعله أصحاب الرسول الكبار كـ أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فهذا وجه المؤاخذة على الحافظ ابن كثير إذ لم يعلق عليها تعليقاً يليق بها، ويبين ما فيها، والله أعلم.
فالحاصل أن طلب الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حياته، كما قال أمير المؤمنين عمر:(استغفر لي يا رسول الله!) ، ولو كان طلب الاستغفار من رسول الله بعد موته مستساغاً لفعله كبار الصحابة، وقد تقدم أن المسلمين لما نزلت بهم نازلة المجاعة استسقوا بـ العباس، ولم يذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قبره طالبين منه أن يدعو الله عز وجل لهم كي يسقوا.