للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية تعويذ الأبناء من العين والحسد]

قال موصياً أبناءه: {يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:٦٧] ، لم أمرهم أن لا يدخلوا من باب واحد ويدخلوا من أبواب متفرقة؟ لأمرين ذكرهما العلماء: الأمر الأول: أن هؤلاء إخوة يوسف عليه السلام كانوا على درجة كبيرة من الجمال، وكذلك آتاهم الله بسطة في الأجسام، ومما يستأنس لذلك به قوله تعالى عن أجدادهم: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:٤٥] ، أي: الأقوياء العلماء، فهؤلاء ذرية هؤلاء الأنبياء الأقوياء العلماء أولي الأيدي والأبصار.

فكانوا على درجة كبيرة من الجمال، فجدتهم سارة، ثم كذلك كانوا من ذوي الأجسام الكبيرة والشارات الحسنة، فإذا دخلوا جميعاً من باب واحد الواحد تلو الآخر؛ اتجه إليهم أذى المؤذين وحسد الحاسدين، فإذا رآهم شخص قد يكيد لهم إذا رآهم على هذا المنظر، والأمر الآخر: قد يصيبهم عائن بعين.

فالعين حق كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغتسلوا) ، وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:٥١] ، وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام في وجه جارية لـ أم سلمة سفعة، أي: تغيراً وسواداً، فقال: (إن بها النظرة فاسترقوا لها) ، وقد مر حديث سهل بن حنيف الذي كان وسيماً وقام يغتسل، فمر به عامر بن ربيعة فقال: والله ما وجدت جلد مخبأة كهذا الجلد، ولا كأنها جلد جارية عذراء، فسقط سهل صريعاً في الحال، وجاء أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون له: أدرك سهلاً صريعاً يا رسول الله! فقال: (من تتهمون؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: علام يحسد أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة) ، ثم أمر عامر بن ربيعة أن يغسل ركبتيه بعد أن يتوضأ وداخلتي إزاره، ثم يؤخذ الماء ويصب على سهل بن حنيف، فقام كأنما أنشط من عقال، أي: حل من وثاق كان فيه، وقام منطلقاً سريعاً.

ومن هنا يقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (وإذا استغستلم فاغتسلوا) ، بمعنى: إذا شك أحد في أحد أنه أصابه بعين فله أن يقول له: توضأ لي أو اغتسل لي، ويأخذ هذا الماء فيغسل به نفسه، ولا ينبغي أن يمتنع من طلب منه الاغتسال، كما قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (وإذا استغستلم فاغتسلوا) ، فللعين تأثير وهي حق بإذن الله.

وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت جعفر بعد مقتل جعفر بثلاثة أيام يعزي أسماء بنت عميس زوجة جعفر، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءها بجوارها ضعافاً كأنهم أفراخ، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ قالت: تسرع إليهم العين يا رسول الله! قال: فاسترقي لهم) ، فقد ترى الطفل يذهب إلى الأطباء فلا يجدونه مريضاً وليس ثم مرض بدني، ومع ذلك فالولد نحيف وضعيف بسبب داء آخر يلم به، ألا وهو عين العائنين وحسد الحاسدين.

ولذلك ينبغي أن نعوذ أبناءنا كما علمنا نبينا محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعوذ الحسن والحسين ويقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) ، ويقول: (إن إبراهيم عليه السلام كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق) ، فجدير بكل أب أن يعوذ أولاده وبناته، وأن تعوذ الأم أبناءها وبناتها، فلتمسح على رءوس الأولاد وأجسامهم قائلة: (أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) ، الحين بعد الحين، امتثالاً لصنيع نبينا محمد، والتماساً لهديه صلوات الله وسلامه عليه، ثم دفعاً للشرور عن الأبناء بإذن الله تبارك وتعالى.

ثم بالمعوذات كذلك، فإن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان في سفر فقال: (يا عقبة بن عامر! قل.

قال: ما أقول يا رسول الله؟ فقال ثانية: يا عقبة بن عامر! قل.

قال: ما أقول يا رسول الله؟ فقال: يا عقبة بن عامر! قل.

قال: ما أقول يا رسول الله؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] حين تصبح وحين تسمي تكفيك من كل شيء) ، وفي رواية: ( {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] فما سأل سائل بمثلهما، وما استعاذ مستعيذ بمثلهما) ، فجدير بالأب إذا أراد أن يحفظ ولده -والمحفوظ من حفظه الله- أن يمسح رأسه بالمعوذات، وبالذكر الذي سمعتموه عن النبي آنفاً.

قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:٦٧] ، الوجه الذي ذكرناه أيضاً من قبل: أنهم إذا دخلوا من باب واحد قد يؤذيهم مؤذ، فإنك إذا دخلت بلدة من البلدان في بعض الدول تجد على مداخلها كمائن للشرط تستوقف الداخلين، فإذا رأوا عشرة عليهم ثياب بيضاء ومن الذين عليهم سيما الفضل والصلاح، ومتزينون بزينة رسول الله، ومتبعون لسنة رسول الله في لحاهم؛ إذا رأوهم يدخلون من باب واحد استوقفوهم وأحالوهم إلى الإدارات مما يسبب لهم بعض الأعطال.