للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نزول الملائكة والروح في ليلة القدر]

قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:٤] ، ما هو الروح؟ للعلماء فيها سبعة أقوال: قيل: إنها أرواح بني آدم، وقيل: إن الروح خلق لا يعلمه إلا الله.

والذي عليه الأكثرون أن الروح هو جبريل صلى الله عليه وسلم، فقد أطلق عليه روح في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:١٩٣] ، وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل:١٠٢] ، فإن قيل: إن جبريل داخل في الملائكة في قوله (تنزل الملائكة) ، فلماذا نص على الروح على تفسير الروح بجبريل مرة ثانية؟ ف

الجواب

أن هذا من باب عطف الخاص على العام؛ لبيان أهمية ذلك الخاص، وفضل ذلك الخاص، فعطف الخاص -وهو الروح الذي هو جبريل- على العام الذي هو الملائكة، وهذا لبيان شرف جبريل صلى الله عليه وسلم، كما بين شرف أولي العزم من الرسل في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:٧] ، فمحمد رسول الله، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم من النبيين، ولكن نص عليهم بالذكر لبيان شرفهم، وكما قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء:١٦٣] ، فكل هؤلاء من الأنبياء، وذكروا مرة ثانية لبيان شرفهم، وكما قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:٦٨] ، والرمان داخل في الفاكهة، فخص بالذكر لبيان شرفه، وهنا ذكر الروح -مع أن الروح من الملائكة- لبيان شرف جبريل، فجبريل ذو شرف وذو فضل كبير، وقد ذكر شرفه وذكرت فضائله في عدة آيات من كتاب الله: قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٩٧-٩٨] ، وقال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:٤] ، وقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:٢٠] ، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، فله قوة وله مكانة عند الله سبحانه وتعالى، {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:٢١] ، أي: مطاع هناك في الملأ الأعلى، يطيعه أهل السماء، (أَمِينٍ) أي: أمين على الوحي، فكل هذه مناقب لجبريل صلى الله عليه وسلم.

فالملائكة تتنزل، وينزل مع الملائكة جبريل صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} ، فهو منظرٌ مهيب، ومشهد عجيب، وأمر عظيم، ألا وهو نزول الملائكة إلى سماء الدنيا ومعهم جبريل سيدهم صلى الله عليه وسلم! فهو منظر مهيب، ومشهد عجيب، وإن كنا لا نراه! {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر:٤] ، أي: أن نزول الملائكة لا يكون ارتجالاً منهم، فهم لا يتحركون إلا إذا أذن الله لهم في ذلك، وقد قال الرسول لجبريل: (ما يمنعك أن تأتينا أكثر مما تأتينا؟ فأنزل الله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:٦٤] ) ، فقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} ، يفيد أن نزول الملائكة لا يكون باختيارهم إنما هو بإذن ربهم.