للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من آداب الضيافة]

قال تعالى: {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:٢٥-٢٦] ، هذا من آداب الضيافة.

قوله: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ) راغ: من الروغان، وهو التسلل خفية، فلم يقل لهم: ماذا تريدون أن تأكلوا؟ ولم يعرض عليهم أتريدون كذا أو كذا.

فيزهد الضيف في الطعام، إنما تسلل عليه الصلاة والسلام في خفية وسرعة، وهو المفهوم من قوله تعالى: (فَرَاغَ) من الروغان، تركهم وفي خفة وسرعة دخل على أهله صلى الله عليه وسلم.

{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:٢٦] ، ومن كلمة (راغ) -أي: تسلل في خفة وسرعة- أخذ العلماء شيئين: الأول: عدم إحراج الضيف وسؤاله عن الطعام الذي يأكله أو الشراب الذي يشربه.

الثاني: في إحضار ما عندك للضيف حتى لا يمل من المجلس ويضجر ويخرج من البيت.

قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:٢٦] ، المراد بالأهل هنا: الزوجة، ومنه: قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران:١٢١] ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من عند عائشة.

ومنه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت من أهلي إلا خيراً) ، يريد عائشة وقد يطلق أحياناً على ما هو أعم من الزوجة؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بـ الحسن والحسين وفاطمة وعلي ووضع عليهم كساءً وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) ، فالأهل: قد تطلق على الزوجة، وقد تطلق الأهل: على الأبناء والأقارب، وقد تطلق على ما هو أعم من ذلك.

{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣] ، المعني بالأهل هنا: أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:٢٦] ، أما قوله: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ) أنه أتى بالطعام من عند الأهل والزوجة المساعدة في ضيافة الضيف، وقد قال العلماء في معنى قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود:٧١] ، أي: قائمة على خدمة الأضياف، وكان هذا حال النسوة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كن يخدمن الأضياف، وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم عرساً في ليلة عرسها وكانت هي التي تخدم الأضياف، وكانت قد نقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمرات من الليل.

وكذلك أم سليم كانت تضيف أضياف أبي طلحة، لما ذهب إليها الأضياف الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك امرأة جابر كانت تضيف أضياف زوجها، فأخذ من هذه النصوص مع قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود:٧١] ، أي: قائمة بخدمة الأضياف، أنه يستحب للزوجة أن تعين زوجها على إكرام أضيافه.

{فَجَاءَ بِعِجْلٍ} [الذاريات:٢٦] ، كثير من أهل العلم يقولون: إن المراد بالعجل هنا من البقر، إن كان كذلك فهو مخالف لما جاء في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن البقر وفيه: (لحومها داء وألبانها دواء وشفاء) ، وقد روي عن رسول الله حديث بهذا اللفظ في شأن البقر: (لحومها داء وألبانها دواء وشفاء) ، وهذا الحديث ضعيف الإسناد، ولبعض فقراته شواهد ألا وهي: (ألبانها دواء وشفاء) أما لفظة لحومها داء فإسنادها تالف ضعيف جداً، إضافة إلى ذلك فمعناه أيضاً باطل منكر.

فإن الله سبحانه وتعالى أنزل لنا من الأنعام ثمانية أزواج -أي: حلالاً طيبة لنا- وفصلت هذه الثمانية أزواج بقوله تعالى: {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:١٤٣] ، وبقوله تعالى: {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:١٤٤] ، ومن البقر -أي: الثور والبقرة- فإذا كان الله سبحانه قد أنزلها لنا حلالاً مع ما أنزل، فالله سبحانه وتعالى يحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث، وثبت كذلك في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر) ، وثبت أيضاً في حديث الجمعة: (من راح في الساعة الثانية يوم الجمعة فكأنما قرب بقرة) ففي كل هذه النصوص ما يدل على تضعيف معنى: (لحومها داء) ، فضلاً عن ذلك فلا شاهد لهذه الفقرة من الحديث فإسنادها تالف ساقط.