للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إهلاك الله لعاد لما كذبوا الرسل]

قال الله سبحانه وتعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:١٨] ، أي: ونذري، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:١٩] ، فالعذاب الذي أُهلكت به قبيلة عاد الريح كما وصفها ربنا بقوله: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:٤١] ، أي: التي لا فائدة فيها، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم: الدبور كما في الحديث: (نصرت بالصبا) أي: الريح التي سلطها الله على الأحزاب هي: ريح الصبا: (وأُهلكت عاد بالدبور) ، فاسمها: الدبور، وصفتها: عقيم كما سمعتم في قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:٤١-٤٢] .

وهي القبيلة العاتية التي قالت عن نفسها: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥] ، فكانت في منتهى القوة، وكانوا في منتهى الطول، وذكروا في تراجمهم أشياء تدل على قوتهم، وإن كانت الأسانيد ليست بثابتة، لكن جاءت بها جملة أقوال للمفسرين منها: أن أحدهم كان يحمل الصخرة بيديه ويلقيها على القوم فيهلكهم والعياذ بالله، فقالوا مفتخرين منكرين لنعمة الله عليهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥] ، قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٥-١٦] .

قال سبحانه: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} شديدة البرودة محرقة {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:١٩] ، قال فريق من أهل العلم: كيف يوسم اليوم بأنه يوم نحس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب ليله ونهاره) ؟ فكيف وُصِفت الأيام هنا بأنها أيام نحس وفي الآية الأخرى {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:١٦] ، وفي الحديث القدسي: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار؟) .

فالإجابة من وجوه: الوجه الأول: أن الذي وصف الأيام بأنها أيام نحس هو الله سبحانه وتعالى، فلا راد لوصفه، ولا راد لحكمه، ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى.

الوجه الثاني: أن النهي عن سب الدهر إذا كنت تعتقد أن الدهر هو المتصرف في الأمور، وأن الدهر هو الذي كان سبباً في تسليط هذه الأشياء عليك، لكن إذا رددت الأمر لله سبحانه وتعالى فلا جناح عليك.

وهذا كأوجه الجمع التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) ، وبين حديث الرسول: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ، فمن أوجه الجمع بين هذه الأشياء: أن تعتقد أن العدوى مؤثرة بذاتها، وتجعل ذلك بمعزل عن إرادة الله سبحانه وتعالى، فنفيت العدوى بهذا الاعتبار، وقال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) على أنه من باب الأخذ بالأسباب.

قال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:١٩-٢٠] ، وقوله: (في يوم نحس) : يدل على أنها كانت أياماً وليست بيوم، كما قال: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:٧] ، وكذلك قال تعالى: ((فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)) [فصلت:١٦] ، فيوم في هذه الآية اسم جنس، قال تعالى: (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ) أي: ترفعهم وتنزعهم، وكأنهم كانوا مثبتين في الأرض وهي تنزعهم من جذورهم، {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:٢٠-٢٢] .