للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الولاء والبراء في الشرع]

قال الله: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة:٤] أي: تبرأنا منكم: {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:٤] ، لقد ذكرنا من قبل بحثاً في مسألة التبرؤ: أن المسلم إذا فعل خطيئة في الشرع يتبرأ من فعلته، أما الكافر فيتبرأ منه ومن فعلته على وجه العموم، يعني: في الجملة وإن كانت هناك بعض الاستثناءات، فإذا تبرأت من شيء فعله المسلم تتبرأ من الفعل، وإذا تبرأت من شيء فعله الكافر يجوز أن تتبرأ من الفعل وأن تتبرأ من الكافر ومن فعله، دل على ذلك قول إبراهيم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:٤] أي: لكفركم.

أما بالنسبة للمسلم؛ فلأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل خالداً إلى بعض البلاد في بعض الغزوات، فخرج أهلها يقولون: صبأنا صبأنا، إذ لم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، وقد عنوا بقولهم: صبأنا أي: دخلنا في الإسلام، أسلمنا! أسلمنا! فطفق خالد يقتل فيهم، ويأسر، فبلغت هذه الفعلة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمد يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) فلم يقل: إني أبرأ إليك من خالد، إنما قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ، ولا يؤثر على هذا ما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة) ، فالصالقة مسلمة هنا، والحالقة كذلك؛ لأن التبرؤ هنا ليس من معين إنما هو في الجملة، واللعن في الجملة جائز: (لعن الله الكاسيات العاريات، لعن الله النامصة) ، فاللعن في الجملة جائز، لكن التبرؤ من الأعيان أو لعن الأعيان هو الذي عليه هذا التحفظ.

{إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤] فإذا آمنتم بالله وحده، وأقررتم بشرعته، ووحدتموه، فقد زالت العداوة والبغضاء التي بيننا، أما إذا بقيتم على كفركم فها نحن نعلن البراءة منكم ومن آلهتكم التي تعبد، فهي قوة في الصدع بالحق، وقوة في اتخاذ طريق الحق المستقيم، ليس فيها ضعف وليس فيها هوان، إنما هو خط واحد واضح، أنا مؤمن بالله كافر بالطواغيت، وكافر بكل ما يعبد من دون الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:١١٢] ، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:١٠٦] ، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:٤٣] ، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف:٣] فهو خط واحد واضح في التبرؤ من الشرك، والتمسك بالإيمان: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦] .

فجدير بكل مؤمن وكل مسلم أن يتخذ هذا الخط، موالاة الله وموالاة رسل الله، واعتناق شرع الله والرضا بقضاء الله وبشرعه وبسنة نبيه، ورفض كل شيء مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله، وإعلان هذا بوضوح بلا غموض، فهو خط واضح صريح سلكه الأنبياء من قبلنا عليهم الصلاة والسلام، فلا يليق بنصراني أن يعلق صليباً في عنقه مظهراً نصرانيته وأنت كمسلم تستحي أن تظهر نفسك متمسكاً بالإسلام، ومتمسكاً برسول الإسلام محمد عليه أفضل صلاة وأتم سلام، فتأسوا بإبراهيم في هذه الأفعال.