قال تعالى:{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[البلد:١١] من العلماء من قال: إن الهمزة هنا محذوفة، وهي: أفلا اقتحم العقبة، والمعنى: بعد إنعامنا عليه أفلا عمل أعمالاً يقتحم بها هذه العقبة ويتجاوزها.
ومنهم من قال: هي نافية، {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}[البلد:١١-١٣] .
لا يظن شخص أن تفسير العقبة: فك رقبة، وهذا خطأ يقع فيه كثير من الناس، يقول: وما أدراك ما العقبة؟! فك رقبة، العقبة شيء، وفك الرقبة سبب من أسباب اقتحام العقبة، وهذا الوهم يقع فيه كثير من الناس، مثلاً تقدم في قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ}[المطففين:١٩-٢٠] فيتوهم البعض أن ((كتاب مرقوم)) تفسير لعليين، إنما المراد كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ}[المطففين:١٨-١٩] تفخيم لشأنها وتعظيم لقدرها، وهنا كذلك:{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} ، أي: ما عمل أعمالاً تجعله يقتحم العقبة ويتجاوزها.
وما هي العقبة؟ من أهل العلم من قال: هي عقبة يوم القيامة، يمرها ويقطعها كل شخص، المؤمن يقتحمها ويتجاوزها، والكافر يسقط فيها.
ومن العلماء من حملها على الصراط، فالمؤمن يتجاوزه ويمر عليه، والصراط عقبة أيضاً، والكافر يسقط فيه، والناس يمرون عليه بحسب الأعمال، فهذا قول قوي.
ومنهم من قال: إن العقبة جبل في النار، وهو المذكور في قوله تعالى:{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}[المدثر:١٧] أي: سأتعبه -أي: هذا الكافر- في الصعود على هذا الجبل، مع أنه في نار، ويضاف إلى عذابه في النار إرهاقه.
{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فلا عمل أعمالا تجعله يقتحم العقبة ويتجاوزها، ثم فخم شأن العقبة فقال الله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ما هي الأعمال التي تجعل الشخص يقتحم هذه العقبة؟ قال الله سبحانه:{فَكُّ رَقَبَةٍ} من الأعمال التي تجعلك خفيفاً تتجاوز هذه العقبة عتق الرقاب، إما العتق أو المساهمة في العتق، قال تعالى:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}[البلد:١٤] والمسغبة: المجاعة، أي: يوم جاع فيه الناس، واعتراهم جوع شديد.