للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الدعاء على الظالم]

قال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:٢٦] ، الديار: هو الذي يسكن الديار، ومنه قول الشاعر بعد وفاة بعض العلماء: يا قاصدين بلاد العلم لا تفدوا فما بتلك الحمى والدار ديار ثم قال تعالى عن نوح عليه السلام: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:٢٧] ، فعلل نوح عليه الصلاة والسلام طلبه بهذا.

وقد اختلف أهل العلم في الدعاء على الظالم: هل الأفضل فعله أم تركه؟ فمن أهل العلم من يقول: إن ترك الدعاء أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حديث الشفاعة الطويل، وفيه: (فيأتون إلى آدم فيقول: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح عليه الصلاة والسلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول رسول بعثك الله إلى أهل الأرض وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: نفسي نفسي.

اذهبوا إلى غيري، إنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي) الحديث.

فقالوا: إنه عليه الصلاة والسلام اعتذر عن الشفاعة لكونه دعا على قومه فاستجيبت دعوته في حياته الدنيا، فهذا أنقص من أجره في الآخرة، فلولا هذه الدعوة لشفع نوح صلى الله عليه وسلم.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة، وإني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة) ، فقالوا: لو دعاها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا ما نال هذه الدعوة في الآخرة.

فإذا ظلمك شخص فإنه يجوز لك أن تدعو عليه، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:٣٩] ، وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:٤٠] ، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج:٦٠] ، إلا أن العفو أفضل، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:٩٠] وهو العفو، وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:٤٠] ، وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:١٨٦] ، فكل هذه الآيات ترشد إلى أن العفو أفضل.

ومن أهل العلم من يقول: إن الحال بحسبه، فإن كان الشخص يؤذيك أذىً مستمراً بما لا تطيقه ولا تتحمله فجائز لك أن تدعو الله تعالى عليه، أو إذا كان يفسد وكان شره مستطيراً في الأرض فجائز لك أن تدعو عليه، واستدل بدعاء نوح عليه السلام، ودعاء موسى عليه السلام على فرعون، كما قال تعالى حكاية عنه: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:٨٨] .

ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على عصية ورعل وذكوان، وقوله: (اللهم عليك بالملأ من قريش، اللهم عليك بالملأ من قريش، اللهم عليك بـ أبي جهل، اللهم عليك بـ عتبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ شيبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ أمية بن خلف) ، إلى غير ذلك من الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا) ، أي: سيضلون عبادك الذين آمنوا، وقوله تعالى: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:٢٧] ، أي: شديد الكفر.