قال تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}[النساء:١٠١] هذه الآية من إحدى الآيات التي ترفع الحرج عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فالشخص إذا كان مسافراً فقد يكون مرهقاً متعباً، والله رحيم به قد خفف عنه الصلاة من أربع إلى ركعتين، ومما يدل على ذلك: ما روي في صحيح البخاري وإن كان قد انتقد لكن له شواهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) فالسنن الرواتب في السفر لا تصلى وأنت تثاب على تركها في السفر كما كنت تصليها في بلدك، وإنما يصلي منها: ركعتا الفجر والوتر، وما سوى ذلك من النفل الراتب فلا، مثل: ركعتي الظهر أو الأربع القبلية أو البعدية، وكركعتي المغرب البعدية، وكذا ركعتي العشاء البعدية، فكل هذه النوافل لا تصلى في السفر.
وهذه مسألة اختلف فيها العلماء على قولين، ويحسمها قول ابن عمر رضي الله عنهما:(ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر على ركعتين) ، وقوله:(لو كنت مسبحاً -أي: مصلياً النافلة بعد الفريضة- لأتممت الفريضة) .
أما النفل غير الراتب -أي: التطوع المطلق- كصلاة الضحى أو صلاة التهجد، أو صلاة تحية المسجد، أو ركعات الوضوء، أو صلاة الاستخارة، أو صلاة الفتح، أو نحو ذلك من الصلوات التي ليست راتبة، فلك أن تصليها، وذلك لما ثبت في الصحيح:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على الراحلة حيثما توجهت به) أي: النفل المطلق، والله سبحانه أعلم.
فالآية من آيات رفع الحرج عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقد تقدم منها جملة آيات: كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء:٢٧]{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}[النساء:٢٨]{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:٧٨]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:١٨٥]{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٥] ، {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:٦] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنيفية السمحة) إلى غير ذلك، وقوله تعالى:: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل:١٠٦]{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة:١٧٣] .
فكل هذه الآيات فيها رفع الحرج عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي نصوص يحتاج إليها عند عدم وجود النص الخاص، فلو شق أمر على شخص فوق طاقته، فيتدخل النص للتخفيف عنه، كقوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] .
قال تعالى:{إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}[النساء:١٠١] أي: ظاهراً.