تقدم أن أكثر الكبائر إذا ذكرت في كتاب الله وذكرت العقوبات الخاصة بها فإنه بعد ذلك يفتح باب التوبة لمن أراد أن يتوب، قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ}[الفرقان:٦٨-٧٠] فيفتح الباب لمن أراد أن يتوب حتى لا يقنط أحدٌ أبداً من رحمة الله.
قال سبحانه:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ}[مريم:٥٩-٦٠] ، ففتح باب التوبة لمن أراد أن يتوب.
وقال الله سبحانه في أكبر قوم وأعظم قوم أجرموا:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[البروج:١٠] أحرقوهم بالنار، وخدوا لهم الأخاديد، وأشعلوا فيها النيران، وجلسوا ينظرون ويتفرجون عليهم وهم يعذبون في النار، كما قال تعالى:{النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}[البروج:٥-٧] ، ومع ذلك فتح لهم باب التوبة فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}[البروج:١٠] .
فكما قال العلماء: إنهم لو تابوا مع أنهم حرقوا عباد الله بدون ذنب لقبل الله سبحانه وتعالى توبتهم، وقال سبحانه أيضاً في هذا الباب:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[الحجرات:٤-٥] ، ثم فتح لهم باب التوبة بقوله:{وَاللَّهُ غَفُورٌ}[الحجرات:٥] ، أي: غفور لمن استغفر، إذا تقرر هذا فلا ينبغي أن يقنِّط أحد أحداً من رحمة الله أبداً، ولا يغلق أحد باب التوبة في وجه أحد أبداً، فباب التوبة باب مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها.
(وقال الشيطان: وعزتك يا رب! لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال سبحانه: وعزتي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني) ، فلينتبه لذلك.