قال تعالى:{يُبَصَّرُونَهُمْ}[المعارج:١١] أي: مع رؤيتهم لهم، لكن كل واحد منشغل بنفسه، كما قالت عائشة لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:(إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء:١٠٤] ، قالت: الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض يا رسول الله؟ قال: يا عائشة! الأمر أشد من ذلك) فالرجل عارٍ والمرأة عارية، لكن ليس في ذهن الشخص أن ينظر إلى العورات.
قال تعالى:{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[المعارج:١١] المجرم هنا كما قال كثير من المفسرين: إنه المشرك.
ومن العلماء من قال: هو أعم من المشرك، فتارك الصلاة مجرم بنص كتاب الله:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:٣٨-٤٣] ، أول شيء تكلموا به ترك الصلاة.
فتارك الصلاة مجرم، وليس المجرم الذي تسميه الأمم المتحدة مجرم حرب بل هو مجرم حق، المجرم شرعاً الكافر، والمجرم شرعاً تارك الصلاة، فتارك الصلاة مجرم، كما قال تعالى:{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[المعارج:١١] فيقول خذوا أبنائي واتركوني، {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ}[المعارج:١٢] يقول: خذوا زوجتي وأخي وأولادي كلهم واتركوني، {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ}[المعارج:١٣] أي: قبيلته وعشيرته التي تلتف حوله في الدنيا في وقت المصائب، أنت في الدنيا إذا أصبت بمصيبة تريد أن تجد أخاك يجري هاهنا، وأباك يجري هاهنا، وأمك تجري هاهنا، ويستشفع لك بهذا ولتشفع لك بذاك، يوم القيامة تود لو تفتدي من عذاب يومئذٍ بكل هؤلاء.
قال تعالى:{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[المعارج:١٣-١٤] ليس فقط الأم والأب والأخت والأخ والولد والزوجة، بل:{وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}[المعارج:١٤] أي: ثم ينجيه الفداء من هذا العذاب، أو ثم ينجيه الله من هذا العذاب.