وهنا يرد بحث: هل يسوغ لمسلم أن يؤاجر نفسه من مشرك؟ والجواب فيه تفصيل: فإن كان هذا العمل عند المشرك فيه إهانة لدين المسلم، فلا يسوغ له أن يعمل عنده.
أما إذا لم يكن فيه إهانة وكان العمل في نفسه مشروعاً، فلا بأس بهذا العمل، فقد أورد البخاري في صحيحه باباً:(هل يؤاجر المسلم نفسه من مشرك في أرض الحرب؟) وأورد حديث خباب بن الأرت قال: كنت قيناً في الجاهلية، فعملت للعاص بن وائل، ثم جئت أتقاضاه فقال: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى قيناً: أي حداداً، والعاص بن وائل هو العاص بن وائل السهمي والد عمرو بن العاص، قال: فقلت له: لا والله لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم ييحيك، قال: أو أنا ميت ثم حي؟ قلت: نعم، ستموت ثم تحيا، قال: فعند ذلك أعطيك حقك؛ فأنزل الله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:٧٧-٨٠] ، ففي قوله:(كنت قيناً فعملت للعاص بن وائل) ما يدل على الجواز.
وقد ورد في هذا الباب أثر عن علي ينظر في إسناده: أنه كان جائعاً ذات يوم فعمل عند يهودي على استخراج ماء من بئر كل دلو بتمرة، فاستخرج إلى أن استجمع تمرات تكفيه، ثم ترك العمل.
وهذا لم أبحثه بعد، ثم هو موقوف إن صح على علي رضي الله تعالى عنه.