قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}[النور:١٩] ، أي: يحبون أن تنتشر الفاحشة في الذين آمنوا.
فبمجرد حبك الفضيحة لإخوانك ينالك العذاب، ولذلك قال:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:١٩] ، فلا تفرح إذا زلت قدم أخيك المسلم، ولا تنشر الفضيحة لقريبك ولا لزوجك، لا تتشف بسقطة سقطها أخوك المسلم، وتمزق عرضه بهذه السقطة، وتتشفى فيه من طرفٍ خفي أو جلي.
فالذي يحب لإخوانه الفضيحة له عذاب أليم في الدنيا والآخرة، وانظر في نفسك -يا عبد الله- فأنت تعلم حال نفسك التي بين جنبيك، هل إذا حدثت زلة لمسلم من المسلمين تفرح بها وتذهب تنشرها، أم أنك تستغفر الله لصاحبها وتستر عليه؟ إذا كنت تستغفر الله له وتستر عليه؛ فاعلم أنك على خير، وإذا كنت تنشر الرذيلة وتفرح بها؛ فاعلم أن إيمانك ضعيف، وأن في قلبك مرضاً، وأنك تجلب لنفسك النكد والعذاب من الله سبحانه وتعالى.
فانظر إلى قلبك وعالجه، فأنت طبيب قلبك بعد الله سبحانه وتعالى، فاستغفر الله إذا وجدت هذا الخلق الدنيء السخيف في قلبك، إذا وجدت أن الفرح بمصائب المسلمين وفضائح المسلمين والمسلمات يتسرب إلى قلبك، فاستغفر الله، فإن في قلبك مرضاً، وفي قلبك غِلاً، فاستغفر الله منه.
أما إذا وجدت في قلبك شفقة على المسلم الذي سقط، أو على المسلمة التي فعلت شيئاً محرماً، وسترت السقطة، ولم تتحدث بها، فاعلم أن مآلك إلى خير، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}[النور:١٩] أي: أن تنتشر الفاحشة {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[النور:١٩] أي: عذاب قبل الآخرة عذاب يطاردهم في الدنيا، ثم في الآخرة، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:١٩] .
فهذه الآية تحذّر أشد التحذير من إشاعة الفاحشة في المؤمنين أي: من نشر الفاحشة في المؤمنين، وفي معناها قوله تعالى:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النساء:١٤٨] ، فالكلام السيئ والأفعال السيئة ينبغي أن تكتم، ولا تنشر في الناس، ومن ثم فصفحة الحوادث التي في الجرائد، ليس لها مستند شرعي، إذ هي تنشر الفاحشة في الذين آمنوا، وتنشر جرائم شخصٍ وتسميه، وقد يتوب هذا الشخص من هذا الذنب، وتبقى وصمة عارٍ في جبهته طيلة حياته، وقد تكون سبباً في الحيلولة بينه وبين التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
فأفادت الآية الكريمة: أن الذي يحب للمؤمنين أن يفتضحوا {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:١٩] .
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النور:٢٠] ، هذه الآية خاتمة عشر آيات نزلت في حديث الإفك، وقد تقدم ذكره على مسامعكم باختصار.