للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إلي)]

السؤال

يقول تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧] ،وقال عيسى عن نفسه: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:١١٧] ، فهل عيسى عليه السلام مات؟

الجواب

قال فريق من العلماء: إن الموت يطلق على النوم، واهدهم قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر:٤٢] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ، فقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥] قال فريق من العلماء: معناها: منيمك ورافعك إلي، وقد جاء في الأثر ما يوضح هذه القصة بأنه ألقيت عليهم الإغفاءة فرفع الله فيها عيسى صلى الله عليه وسلم.

ومن أهل العلم من قال: إن الواو في قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥] لا تقتضي الترتيب، والدليل على أن الواو لا تقتضي الترتيب -مثلاً- قولك: جاء زيدٌ وعمرو، لا يعني: أن زيداً جاء، ثم جاء بعده عمرو، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧] ، فالسلام قبل الاستئناس، يعني: لما تدخل البيت تطرق الباب وتسلم سلام الاستئذان، وإذا دخلت البيت فإنه فاتك الاستئذان، كما قال عمر لرسول الله لما دخل البيت: ائذن لي أن أستأذنك يا رسول الله! فالأصل أن الاستئذان للدخول (سلام الاستئذان) قبل الاستئناس، لكن الآية فيها {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} ، فالواو لا تفيد الترتيب فقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥] لا تعني: أنني متوفيك أولاً ثم رافعك ثانياً.

فإن فسرناها بمنيمك فالأمر مستقيم، أي: إني منيمك ورافعك إلي، وإن فسرت: إني رافعك إلي ومتوفيك بعد ذلك فالأمر ليس فيه إشكال لكن اليقين الذي لا شك عندنا فيه أن الله قال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! ليوشكن ابن مريم أن ينزل فيكم حكماً مقسطاً، فيقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويكسر الصليب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) .