قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) ، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ}[النساء:١٩-٢٠] في الآية أن الأفصح أن يقال: زوج، ولا يقال: زوجة بالتاء المربوطة، وإن كان لفظ زوجة بالتاء المربوطة له شاهد، قال عمار بن ياسر كما في صحيح البخاري في شأن عائشة:(إني لأعلم أنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم ليعلم أتتبعونه أم تتبعونها) ، فزوجة بالتاء المربوطة جائز لكن الأفصح زوج.
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ}[النساء:٢٠] تطليق امرأة وتزوج امرأة أخرى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}[النساء:٢٠] أي: أعطيتم التي تريدون أن تطلقوها قنطاراً من الفضة أو من الذهب كصداق {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء:٢٠] ، اللهم إلا في حالة واحدة هي حالة الخلع قال الله سبحانه:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة:٢٢٩] .
(وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) يدل على جواز الإكثار من المهر، وفي الحقيقة أنه لا حد لأكثر المهر ولا لأقله، إنما مرد ذلك إلى الأعراف السائدة، إنما التخفيف في المهور على وجه الإجمال مستحب؛ لأن النبي حث على ذلك وإن كان حديث:(أقلهن مهوراً أكثرهن بركة) عندي ضعيف لجملة أسباب مبسوطة في محلها، لكن وجه استحباب تقليل المهور يؤخذ من أن النبي عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم- سأل بعض أصحابه:(كم سقت إليها؟ قال: وزن كذا وكذا من ذهب، قال: إنما تنحتون من عرض هذا الجبل!) أو كما عليه الصلاة والسلام، لكن التحرير: أنه لا حد لأقل المهر ولا لأكثر المهر، بل يلزم في بعض الحالات أن تبلغ بالمرأة أعلى سنتها في الصداق، مهور النساء خمسة آلاف جنيه، ومنهن من تأخذ مهر سبعة آلاف، ومنهن من تأخذ مهر ثلاثة آلاف، فهناك حالات يلزمني أن أدفع سبعة آلاف، فإذا كانت المزوجة يتيمة لابد أن تبلغ باليتيمة أعلى سنتها في الصداق كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ}[النساء:٢٠] أي: أعطيتم {إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}[النساء:٢٠] أي: كصداق {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا}[النساء:٢٠] بهتاناً أي: بغير حق، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) يعني: تكلمت فيه بغير حق وظلمته بغير حق، فالبهتان هنا: الظلم وأكل المال بغير حق، فإخواننا الذين يضيقون على النساء كي يرددون إليهم جزءاً من المهور يأكلون المهور بهتاناً {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء:٢٠] .
وحادثة عمر في هذا الباب مختصرة لها طرق تصح بمجموعها: أنه خرج لينصح الناس بعدم المغالاة في المهور قال: (فعرض لي قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}[النساء:٢٠] فأمسكت) أخرجه عبد الرزاق بإسناد مرسل قوي، ويشهد لأصل القصة قصة المرأة التي راجعته.
{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ}[النساء:٢١] بأي حق تأخذونه؟! {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}[النساء:٢١] أي: الجماع؛ لأنك إذا جامعتها فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(لها الصداق بما استحللت من فرجها) يعني: الصداق أصلاً مقابل الاستمتاع بالفرج، فإذا جامعتها استحقت بالجماع الصداق، فبأي وجه تأتي تسلبها هذا الصداق؟ بأي وجه حق تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض؟ {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء:٢١] ، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجزاكم الله خيراً.