قال تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[الضحى:٨] والعائل هنا بمعنى: الفقير، فمنه قول الشاعر: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل أي: متى يفقر؟! ومنه قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}[التوبة:٢٨] أي: فقراً، ومن العلماء من قال: عائلاً، أي: يعول غيره، لكن الأكثرين على أن عائلاً بمعنى: فقيراً.
وقوله:{فَأَغْنَى}[الضحى:٨] ، متى أغناه وهذه السورة مكية؟! من العلماء من قال: أغناه بالفتوح التي فتحت عليه، وبالجزية التي جلبت إليه عليه الصلاة والسلام، والغنائم التي حملت له، إلا أن هذا القول معترض عليه بأن السورة مكية، والفتوحات إنما كانت بعد أن هاجر إلى المدينة، فكيف وجده عائلاً فأغنى؟ من العلماء من أجاب عن ذلك فقال: الآية باعتبار ما سيئول إليه الأمر، كما في قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل:١] ثم قال: {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:١] ، وكما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء:١٠] أي: باعتبار ما ستئول إليه هذه الأموال.
ومن العلماء من قال: إنه أغناه أيضاً في نفسه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام فقيراً لا يجد ما يتزود به ولا ما يعمل فيه من الأموال، فتزوج بـ خديجة، وكانت ذات مال وثراء، فأغناه الله سبحانه وتعالى بمال زوجته خديجة.
ولا مانع أبداً أن تتزوج بامرأة ثيب إذا كنت فقيراً لا تستطيع الزواج، ولا ترهق نفسك ولا تتعب نفسك في أن تجمع الأموال من هنا ومن هنا، وأمامك نساء ثيبات يحتجن الزواج وهن صالحات، إما امرأة مات زوجها أو امرأة طلقت لفساد زوجها، أو امرأة مات زوجها بحادث، وعندها شقتها وعندها مالها، لا تكلفك شيئاً بل تحتاج إلى رجل تستظل به، فلتعف نفسك بها وتعفها هي الأخرى، وأنت مثاب، وإذا وسع الله عليك وأردت أن تتزوج بعد ذلك فالشرع يبيح لك ذلك.
فالشاهد: أن القيود التي وضعها مجتمعنا في أمور الزواج ينبغي أن تكسر؛ لأن الفساد قد استشرى في زماننا، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) .
فقوله تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[الضحى:٨] توجيهه أن الله أغناه بتزويجه بـ خديجة رضي الله عنها.