باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: يقول الله سبحانه وتعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:١] ، المعنى: تذكر يا محمد! واذكر هذا اليوم الذي فيه تكور الشمس، ومعنى (كُوِّرَتْ) لُفَّ بعضها على بعض، ومنه قولهم: كورت العمامة، أي: لفت العمامة، ومن العلماء من قال:{كُوِّرَتْ} : رُمي بها، ومنهم من قال:(كُوِّرَتْ) أي: ذهب ضوءها.
والحقيقة أن هذه المعاني كلها يرجع بعضها إلى بعض، فإنها إذا كُوِّرَت ولُفَّت ذهب ضوءها، ثم يُرمى بها بعد ذلك.
فمن العلماء من فسر {كُوِّرَتْ) بالحادث الأول من أحوالها يوم القيامة وهو: اللف، ومنهم من فسره بالحادث الثاني، وهو: ذهاب الضوء، ومنهم من فسره بالحادث الثالث وهو: الرمي بها، لكن المعنى متآلف متناسق، فمعنى قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي: لُفَّ بعضها على بعض، فإذا لُفَّ بعضها على بعض فقد ذهب الضوء، ثم بعد ذلك رمي بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري -: (الشمس والقمر مكوَّران يوم القيامة) ، وفي رواية غير البخاري زيادة (ثوران) في هذا الحديث، هكذا:(الشمس والقمر ثوران -مثنى الثور- مكوران في النار يوم القيامة) .
فإن قال قائل: لماذا تكون الشمس والقمر ثورين مكورين في النار يوم القيامة على ثبوت هذه اللفظة؟ فالإجابة: حتى يُعَذَّب بهما أتباعهما وعُبَّادهما، ففي الصحيحين: من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينادي منادٍ يوم القيامة: لتَتْبع كلُّ أمة ما كانت تعبد، فيَتْبع أهلُ الصليب الصليبَ، ويَتْبع أهلُ الأوثان الأوثانَ، ويَتْبع كلُّ قوم آلهتَهم التي كانوا يعبدونها) ، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينادي منادٍ يوم القيامة: لتَتْبع كلُّ أمة ما كانت تعبد، فيَتْبع مَن كان يعبد الشمس الشمسَ، ويَتْبع مَن كان يعبد القمر القمرَ، ويَتْبع مَن كان يعبد الطواغيت الطواغيتَ) ، إذاً: فتكون الشمس في النار حتى يُعَذَّب بها عُبَّادها كما قال سبحانه في الآية الأخرى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:٢٢-٢٣] ، وكما قال تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:٩٨] ، هذا قول.
وورد عن أبي بن كعب رضي الله عنه بإسناد موقوف عليه، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس! أي: اختفى ضوء الشمس فجأة- فبينما هم على ذلك إذ تناثرت النجوم! فبينما هم على ذلك إذ سقطت الجبال، وفزعت الجن إلى الإنس، وفزعت الإنس إلى الجن! وبينما هم على ذلك إذ خرجت الوحوش! وقالت الجن: نحن نأتيكم بالخبر، فذهبت الجن تلتمس الأخبار من البحر، فإذا البحر قد أُجِّج ناراً! -أي: اشتعل البحر ناراً- فبَيْنا هم على ذلك إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السفلى ... ) والأثر طويل، وهو موقوف على أبي بن كعب رضي الله عنه، وإسناده إليه حسن.
{وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:٢] أي: تساقطت، وقال فريق: تناثرت، وقال فريق: الانكدار: من الكدرة، أي: كدرة غطت على ضوئها حتى ذهب ضوءُها.
{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:٣] أي: أزيحت عن أماكنها.
وهذه كلها أحوال الساعة، الشمس يذهب ضوءُها ويُرمى بها، والنجوم تتساقط على الأرض، فقول بعض الفلكيين: كوكب كذا يريد أن يسقط على الأرض، فهذا من الخزعبلات، وإذا نزل الكوكب على الأرض فإن الأرض تكون قد انتهت، وقامت الساعة؛ لأن الله قال:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا}[فاطر:٤١] ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[الحج:٦٥] .