للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله)]

قال تعالى: {قُلْ} [يوسف:١٠٨] ، أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين، ولهؤلاء الغافلين، قل يا محمد للناس كافة: {هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:١٠٨] ، توحيد الله طريقي، والاستقامة على أمر الله منهجي، واتباع السابقين من رسل الله منهجي، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠] ، قل يا محمد لهؤلاء ولمن حولك وللناس كافة، ولا تخفي ذلك، ولا تستحي من ذلك، قل لهم: {هَذِهِ سَبِيلِي} .

ولنقل نحن للناس كافة: هذه طريقنا، نحن مسلمون، كتابنا هو كتاب الله، سنتنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونؤمن بالبعث وبكتاب الله وبالكتب التي نزلت من عند الله، ولا نفرق بين أحد من الرسل، ونؤمن بملائكة الله كما علمنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ونؤمن ونشهد أن هذا القرآن من عند الله، قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٦٤] .

وعجيب أمر المسلم ضعيف الإيمان، كيف يشعر اليهودي بيهوديته، والنصراني بنصرانيته، ويعلق هذا صلباناً، ويعلق ذاك نجوماً، والمسلم يستحي من اتباع سنة النبي محمد!! عجيب ضعف الإيمان هذا، وهنا يقول الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ونحن له تبع: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ} ، ومن سبيلي أيضاً الدعوة إلى الله؛ فهي من أشرف الأعمال على الإطلاق، فجدير بنا أن نغبِّر أقدامنا في الدعوة إلى الله، وأن نرطب ألسنتنا بعد ذكر الله بالدعوة إلى الله، جدير بنا ذلك.

قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ} ، إلى طريقه وإلى شرعه وسنن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} ، لكن دعوتي إلى الله ليست دعوة همجية، وإنما هي على بصيرة، على علم ويقين وحجة، فهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله مستبصرين بما يدعون إليه، مستيقنين بما يريدونه من الناس ويدعون الناس إليه، فلا تدع بجهل فتضل وتضل غيرك، ولكن ادع إلى الله على بصيرة، وأتقن المسائل، وتعلم دينك: كتاب ربك، وسنة نبيك محمد، وأقوال صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، وأقوال أهل العلم والفقه في الدين، ثم ادع على بصيرة بعد ذلك.

قال الله تبارك وتعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران:٧٩] ، ربانيين بماذا؟ قال الله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:٧٩] ، فدراسة وتعلم ثم بث ونشر للعلم، هكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله، يتزودون بالعلم الشرعي ويتبصرون به، ثم يدعون الناس إلى طريق ربهم على بصيرة ليس بجهل وليس خبطاً عشوائياً.

قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] ، والبصيرة منها كتاب الله وسنة رسول الله؛ لقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام:١٠٤] ، فالآيات بصائر، وسنن النبيين بصائر كذلك يهتدى بها، قال تعالى في شأن كتابه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:١٥-١٦] .

فينبغي أن يكون الداعية على علم، وأن يتقن ما يبلغه للناس تمام الإتقان، كما أن على الطبيب أن يتقن طبه، وعلى المهندس أن يتقن هندسته وتصميمه، وعلى المدرس أن يتقن الدرس الذي سيلقيه، وكذلك على الداعي إلى الله أن يتقن المسائل التي سيدعو إليها، وأن يعرف إلى ماذا يريد أن يدعو، فعليه أن يتقن ذلك إتقاناً زائداً فإنه تقلد أفضل الأعمال، فعليه أن يوليها أحسن إتقان، وأن يبذل لها أطيب الجهد وأفضله.

قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} ، فالذين اتبعوا رسول الله يسيرون على درب رسول الله، وعلى سيرة رسول الله في الدعوة إلى الله على بصيرة، فلنكن معشر الإخوة دعاة إلى الله، فهي أفضل الأعمال، حتى إن بعض أهل العلم يفضلها على الجهاد، مستأنساً بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب وقد أرسله لفتح خيبر: (انفذ على رسلك وادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ، فهداية رجل واحد إلى طريق الله سبحانه خير من الغنائم، ومن أفضل أنواع الإبل.

قال الله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] ، أي: ولست أنا وحدي بل أنا ومن اتبعني، فمن اتبعوا رسول الله عليهم أن يحملوا دعوة رسول الله، ويوجهوها إلى الخلق، ويأخذوا بأيدي الضال والتائه، قال: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يوسف:١٠٨] ، أي: وأنزه الله سبحانه عن كل شريك وند ومثيل، أي: في دعوتك إلى الله نزه الله أيضاً عن الشركاء، وعن الأمثال والأنداد: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ} ، أنزه الله، فالتسبيح هو التنزيه تنزيه الله عن الشبيه والشريك والمثيل والند تنزيه الله عما يصفه به الواصفون القائلون بأن له ولداً وبأن له زوجة، القائلون بأن له شريكاً، القائلون بأن الملائكة بنات الله، الذين عبدوا معه غيره.

فينبغي أيضاً أن ننزه الله عن كل نقص وعيب، وكذلك لنا في كل تسبيحة نسبحها صدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولك بكل تسبيحة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة) ؛ فلنسبح الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) ، فجدير بنا أن نسبح الله باللسان وبالجنان.

قال تعالى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] ، بل أنا بريء من المشرك، بُرآء فنحن والحمد لله من الشرك ومن كل صنوفه، بُرآء من الشرك ومن المشركين كذلك.