هذه الآية فيها تسلية وتسرية عن أهل الإيمان، وذلك أن أهل الإيمان وُبِّخوا من عدوهم لعمل عملوه وصنيعٍ صنعوه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النضير، وامتنعت بنو النضير من النزول من حصونهم، قطّع النبي صلى الله عليه وسلم النخل وحرّقه، قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه في ذلك: وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير وقال في ذلك أبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه: أدام الله ذلك من صنيعٍ وحرق في نواحيها السعير فشق ذلك على اليهود أيما مشقة، وكانت مقالة تقاولتها العرب، وطعنوا بها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، فقالوا: كيف يقطِّع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم النخيل؟ ولكن لله في الأمر حِكَمٌ، ومن المعلوم أن المفاسد إذا تواردت على محل اختار الشخص أخفها، فكان الأخف هو تحريق نخيل بني النضير، فحينئذ سرَّى الله عن المؤمنين، وأذهب عنهم الهموم والأحزان بقوله تعالى:(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) واللينة: النخلة، وقال فريق من العلماء: هي الشجرة، فأفادت الآية أن هذا أمر قدره الله وقضاه، فليس لكم -يا أهل الإيمان- أن ترتابوا في فعل نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فما فعله لم يكن يخرج عن إذن الله، ولا عن إرادة الله، وعلى فرض كونكم أخطأتم فهذا مقدر عليكم، وعلى كل حال فـ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) فلتطمئن خواطركم.