للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف العلماء في غسل يوم الجمعة]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] يلحق بنا هنا مبحث سريع في غسل الجمعة وهل هو واجب أو غير واجب؟ يرى جمهور العلماء أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، ومن العلماء من يرى الوجوب.

أما أدلة الجمهور القائلين بالاستحباب: فمنها حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان الناس يأتون من العوالي - عوالي المدينة - مسافات طويلة يمشون، فيعلوهم الغبار فيأتون إلى المسجد ولهم روائح - أي روائح كريهة من العرق والحر الشديد والغبار الذي خالط الأجسام - فقيل لهم: لو اغتسلتم) .

وأوردوا أيضاً في الاستدلالات على أنه مستحب وليس بواجب حديثاً آخر: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) وهو حديث ضعيف.

وأوردوا حديثاً ثالثاً في بيان الاستحباب وعدم الإيجاب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ في بيته ثم أتى إلى المسجد فصلى ما كتب الله له أن يصلي فلا يخطو خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة) ، فمن لفظه عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته) ولم يذكر (ومن اغتسل) .

فأصبحت عمدة القائلين بأن الغسل - غسل الجمعة - ليس بواجب ثلاثة أحاديث: حديث أم المؤمنين عائشة وحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) لكن في إسناده ضعف، وحديث: (من توضأ ثم أتى إلى المسجد فصلى ما كتب الله له أن يصلي ثم استمع وأنصت) الحديث.

قالوا: إن فيه (من توضأ) وليس فيه من اغتسل.

أما أدلة القائلين بالوجوب فمنها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) .

والثاني: (حق لله على كل مسلم أن يغسل جسده في كل أسبوع يوماً) .

والثالث: حديث ابن عمر: (من أتى إلى الجمعة فليغتسل) .

والرابع: أثر عمر لما كان يخطب فدخل أمير المؤمنين عثمان وهو يخطب، فلما رآه عمر دخل متأخراً بعد الأذان - بعد صعود الإمام المنبر - قال له: (أية ساعة هذه؟) أي: لماذا تأخرت حتى إن الملائكة طوت الصحف؟! قال: (والله يا أمير المؤمنين! ما زدت على أن توضأت.

قال: (توضأت وقد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل) ، فأخذوا من قوله: (أن الرسول كان يأمر بالغسل) على أن الأمر أمر إيجاب إلا إذا صرفه صارف.

هذه عمدة القائلين بوجوب غسل الجمعة.

وكما أسلفنا فالجمهور على أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب.

قد يقول قائل: كيف يسوغ للجمهور أن يقولوا: إنه مستحب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ؟! فأجاب الجمهور على ذلك: بأن كلمة (واجب) من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعني نفس المدلول الاصطلاحي الذي أصله الفقهاء والأصوليون، فكلمة (واجب) بمعنى (حق) ولا تعني الوجوب الاصطلاحي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

وثم جملة اصطلاحات للرسول صلى الله عليه وسلم، بل للكتاب العزيز فيها مدلولات وللأصوليين فيها مدلولات أخر.

فمثلاً كلمة الكراهية، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء:٣٣] ، {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:١٥١] ، {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:٣٤] ، في آخر الآيات: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨] ، فالكراهية هنا تدل على التحريم يقيناً، وليس الكراهية الاصطلاحية الموضوعة في مباحث الفقهاء.

هذه إجابة الجمهور على الاستدلال بحديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) .

أما حديث: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ، أو حديث: (قد علمت أن الرسول كان يأمر بالغسل) فهذا وذاك قد صرفهما صارف، ألا وهو حديث عائشة: (قيل لهم: لو اغتسلتم) أو الحديث الآخر: (من توضأ في بيته ثم أتى إلى المسجد) .

فالمسألة هذا حاصلها، وثم أقوال أخر فيها، والله أعلم.

الحاصل أن رأي الجمهور على أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، ومن العلماء من ذهب إلى الوجوب لظواهر الأحاديث التي سمعتموها، وقد علمتم توجيهها.

يستحب للساعي إلى الجمعة أن يلبس أحسن الثياب، وذلك أنه: (لما قدمت على الرسول حلل سيراء من عطارد قال عمر يا رسول الله! خذ هذه فتجمل بها للوفود والأعياد والجمع، فردها الرسول لعلة أنها كانت من حرير، وقال: إنما يلبسها من لا خلاق له) فيستحب للجمعة لبس أحسن الثياب، وقد ورد حديث وإن كان فيه مقال: (ما على أحدكم لو اتخذ ثوباً ليوم الجمعة غير ثوب مهنته) .

فيستحب للشخص أن يلبس أجمل الثياب، وأن يتطيب بأحسن ما يجد من الطيب، وأن يستاك بالسواك أو ما يقوم مقام السواك في حالة غياب السواك، فهذه سنن حث عليها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.