[جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة في قيام الليل]
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) .
وورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) .
وورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما حاصله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة) ، فهذه ثلاثة أدلة تعد أصول في هذا الباب.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) ، في هذا النص إباحة الصلاة لمن شاء، لكن صفتها أن تكون: مثنى مثنى، ثم جاء حديث أم المؤمنين عائشة: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) .
فقد يقول القائل: إن هذا النص المفسر يفسر المجمل في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، لكن جاء حديث ابن عباس فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ثلاث عشرة ركعة من الليل) ، فلزم التوفيق بين هذه الأدلة مجتمعة.
وورد أيضاً في الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) ، وهذا دليل رابع يدخل في الاعتبار عند مناقشة هذه المسألة، فبعض أهل العلم أخذ دليلاً من هذه الأدلة، وبنى عليه قوله، وأهمل الأدلة الأخرى؛ فنشأ فقه عجيب! فجاء أحدهم إلى حديث عائشة: (ما زاد رسول الله على إحدى عشرة ركعة) ، وقال: الأصل أن تصلي إحدى عشرة، وليس لك أن تزيد، لحديث عائشة: (ما زاد رسول الله على إحدى عشرة ركعة) ، وهذا القول قول عجيب! بل بالغ بعضهم فقال: إذا زدت فأنت مبتدع! وهذا من عجيب القول ومن القول المستنكر الذي لم يسبق إليه قائله! ولكن لزاماً -كما أسلفنا- أن تجمع الأدلة التي وردت في الباب.
وقال فريق من أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قيام الليل في كتابه الكريم لم يحدده بعدد ركعات، إنما ذكره مقيداً بأزمنة، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:٢-٤] ، فكلها مدد زمنية.
كذلك قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ} [آل عمران:١١٣] ، أي: ساعات، فهي أيضاً مدة زمنية، وأيضاً قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] ، فهي أيضاً مدة زمنية، وأيضاً حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه) ، فهي أيضاً مدة زمنية.
فكل الآيات التي وردت في كتاب الله فيها مدة زمنية، إضافة إليها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) ، فهو أيضاً مدة زمنية، ثم إن المعنى أيضاً معتبر، فليس من قام إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق خير ممن صلى ركعتين تلا فيهما جزءاً من القرآن، يعني: إذا قام شخص وصلى إحدى عشرة ركعة في ربع ساعة أو في نصف ساعة وانتهى ونام، هل هو خير من رجل صلى أربع ركعات كصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام التي وصفتها عائشة فقالت: (لا تسأل عن حسنهن وطولهن) ؟ هل الذي صلى إحدى عشرة ركعة في ثلث ساعة أو في نصف ساعة خير أم رجل صلى أربع ركعات كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيهما خير شخص صلى أربع ركعات في ساعة أم شخص صلى إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة أو في ثلث ساعة؟! فمن ناحية المفهوم أيضاً يفهم أن الذي وافق صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الذي لم يوافق صفة صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه لا بد وأن يعتبر أيضاً في الباب إضافة إلى عدد الركعات صفة الركعات، فإذا أراد شخص إصابة السنة فعليه أن يوافقها في الصفة وفي العدد، لكن كونه يأتي يتحجر أمام النص، ما زاد الرسول على إحدى عشرة ركعة، ويصلي في كل ركعة بفاتحة الكتاب مثلاً وسورة قصيرة كالعصر، ثم يدعي أنه أفضل من رجل صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة قدراً كبيراً من القرآن ويسجد لله ويخشع، حتى مضى عليه ما يقارب الساعة، فلابد من النظر في الصفة وفي العدد، فإذا أردت موافقة السنة فلتوافقها في العدد وفي الصفة، لكن إذا جئنا نطبق هذا ونقول: يا مسلمون! نريد أن نوافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في العدد والصفة فهو خير الهدي، فنقول: إن ابن عباس أثبت أنه زاد عن إحدى عشرة ركعة، فكيف نفعل إذا جئنا نوافق الرسول عليه الصلاة والسلام في صفة صلاته، ولم يتحمل الناس ذلك؟ كيف والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم) .
ولكن قد يقول قائل: هذا في الفريضة، لكن قال الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ، فشخص يقول: يا ناس! أنا أريد أن أصلي معكم حتى يكتب لي قيام ليلة، ولكن صلاتكم طويلة جداً، قد تأتيني الحاجة في الصلاة من بول أو غائط أو عطش أو نحو ذلك، فتشق عليّ الصلاة معكم، ونحن نريد أن نراعي المصلحة العامة للمسلمين، فماذا نصنع؟ فإذا وافقنا صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام في الصفة وفي العدد شق هذا على المسلمين، وإذا قصرنا في الصفة حتى نوافق في العدد ابتعدنا عن قول الرسول: (أحب القيام قيام داود، كان يقوم ثلث الليل ... ) ، فماذا نصنع؟ قال كثير من أهل العلم: إن المعول عليه الوقت -كما سمعتم- فإذا قللنا في الصفة نزيد في العدد، إذا قللنا في القراءة نزيد في عدد الركعات، وإذا أطلنا القراءة نقصر عدد الركعات حتى يتسنى لنا موافقة نبي الله داود، وحتى يتسنى لأصحاب الأعذار أن يقضوا الحاجات، وقالوا: إن الأصل أن أكثر صلاة رسول الله إحدى عشر ركعة لكن أيضاً ثبت أنه زاد على إحدى عشرة ركعة كما في حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة) ، وأيضاً فتح لنا الباب في قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، وعلى هذا جاءت سيرة الصحابة والتابعين، ورد عن عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس على إحدى عشرة ركعة، جمعهم على أبي بن كعب وفي رواية أخرى: على إحدى وعشرين ركعة على أبي أيضاً.
فمن العلماء من يصحح إحداهما ويضعف الأخرى والتحرير: أن كلا الروايتين صحيح، ويحمل على التعدد، فأحياناً جمعهم على إحدى وعشرين، وأحياناً جمعهم على إحدى عشرة ركعة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أننا إذا أطلنا القراءة نقصر الركعات وإذا قصرنا القراءة نطيل في عدد الركعات، وهو اختيار الحافظ ابن حجر، واختيار طائفة كبيرة من العلماء، ولذلك إذا تتبعت سيرة السلف الصالح رأيت منهم -كالإمام مالك - من يستحب ستاً وثلاثين ركعة، وترى أن منهم من كان يقوم بأكثر، ومنهم كان يقوم بأقل، والله أعلم، والباب مفتوح، وهو باب تطوع، والحمد لله.
فقصدنا بذلك أننا إذا صلينا وراء إمام يصلي إحدى وعشرين لا نفارقه وننصرف، ونحدث مشاكل بين الناس ونستدل بحديث عائشة، إذا استدللت بحديث أم المؤمنين عائشة فلتستدل أيضاً بالأدلة الأخر، فإن الفقه يؤخذ من مجموع الأدلة كما سمعتم.
قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:١-٤] ، (رتل القرآن ترتيلاً) أي: بينه تبييناً ووضحه إيضاحا، فلا تتداخل الكلمات في بعضها، ولا تتداخل الحروف في بعضها.