رجل طلق زوجته ثلاث تطليقات متفرقات، فسئل عن ذلك مدرس في الفقه فقال: خذوا برأي الظاهرية وابن حزم، وهو أن الطلاق في الحيض لا يقع.
فما صحة ذلك؟
الجواب
الطلاق في الحيض يقع، وليس هناك أبداً دليل صريح يفيد أن الطلاق في الحيض لا يقع، فلا يوجد دليل صحيح صريح يفيد أن الطلاق في الحيض لا يقع.
وفي الحديث أن ابن عمر: طلق زوجته في حيضها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عمر:(مره فليراجعها) ، فلا مراجعة إلا بعد طلاق، وهو رأي الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، فكيف يفتي بعد وقوع الطلاق في هذه الحالة؟ والقول بعدم وقوع طلاق الحائض قال به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم هو الذي أحدث هذه المشكلة في كتابه زاد المعاد؛ لأن ابن القيم رحمه الله حسن التصرف في المسائل التي يتناولها، وينتصر لرأيه انتصاراً طويل النفس في تقرير مذهبه والمسألة التي يريد إثباتها، فـ ابن القيم رحمه الله أطال النفس في زاد المعاد في هذه المسألة، فتلقفها آخرون بعدم تدقيق ونظر في الآثار التي أوردها، وقد قدمنا أن هناك جزئيات مأخوذة على ابن القيم رحمه الله في هذه المسألة.
وقد احتج ابن القيم بالأثر وهو أنه سئل ابن عمر عن طلاق المرأة وهي حائض فقال: لا يعتد بتلك.
فقال ابن القيم: لا يعتد بتلك، أي أن ابن عمر لم يعتد بهذه التطليقة، لكن الأثر روي مختصراً، وهذا الاختصار أخل بالمعنى تمام الإخلال، والأثر موجود عند ابن أبي شيبة في المصنف تحت باب الأقراء لمن أراد أن يراجعه مطولاً، وفيه: سئل ابن عمر -وهو من نفس الطريق- عن طلاق المرأة في حيضتها فقال:(لا يعتد بتلك الحيضة) ، فالرواية المختصرة أسقطت منها كلمة (الحيضة) ، فأحدث ابن القيم تقديراً بناءً على فهمه وهو أنك لا تعتد بتلك التطليقة، وهذا خطأ، إنما الرواية:(لا يعتد بتلك الحيضة) ، على أنها من زمن العدة، فهذا كمثال للفهم الذي بنى عليه ابن القيم رأيه، فالحديث لما روي مختصراً قدر هو تقديراً من عنده، وأخطأ في هذا التقدير، وخالف الأئمة الأربعة في قوله هذا، وابن عمر يقول في الرواية الأخرى الصريحة: حسبت عليّ تطليقة.
والله أعلم.
ومن التعقبات على ابن القيم استدلاله بأثر أبي الزبير أن ابن عمر ذكر طلاق امرأته وهي حائض قال:(فلم يره النبي شيئاً) وهذه اللفظة عند جماهير المحدثين معلة ضعيفة.