للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل في زكاة الفطر]

السؤال

ما حكم إخراج زكاة الفطر نقوداً؟ زكاة الفطر لا تخرج مالاً؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من طعام على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) .

ولا يجوز الإخراج قيمةً، وهذا رأي مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى.

لكن هناك اعتبارات لا بد من ملاحظتها، وهي أننا في الحرم المكي، وبعد أن ننتهي من صوم آخر يوم من رمضان نخرج لإخراج الزكاة، فنجد أمام الحرم أقواماً يبيعون أرزاً، كل كيس يحوي صاعاً، فأشتري كيس الأرز بثمانية ريالات، وأبحث عن فقير، فإذا بأناس فقراء بجوار البائع، فأُسلم الكيس لأحدهم، وبهذا برئت ذمتي.

وأمام عيني يأخذ الفقير الكيس ويبيعه للتاجر الذي اشتريت أنا منه، ومن حق الفقير أن يبيع، فيأخذ التاجر الكيس منه بستة ريالات، ثم أرجع أشتري مرة ثانية لكي أتصدق عن زوجتي، أو عن أولادي، وأشتري من نفس التاجر، وأعطي الفقير يردها إلى التاجر، وهكذا، وفي كل حالة يستفيد التاجر.

فلماذا لا أسلم للفقير الثمانية الريالات وانتهي؟ لأن التاجر ليس بحاجة إلى الصدقة، والفقير أحوج منه، فهذا وجه للنظر.

وأنا موقرٌ لأقوال القائلين بأن زكاة الفطر لا تخرج إلا من الأصناف التي ذكرها الرسول، لكن لهذا فقه ولهذا محل، وأحياناً القيمة لا تجزئ، فإذا كانت السيولة متوافرة والمطعومات شحيحة فقد أقول لك: لا تجزئ القيمة.

لكن إذا كان الطعام متوافراً من كل الأصناف، وهو يستطيع أن يشتري الذي يناسبه ويتناسب مع أسرته، ألا يجزئ في هذه الحالة أن يأخذ برأي الأحناف؟ صحيح أن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه رأى أن نصف صاع من بر الشام يعدل صاعاً من تمر المدينة، لكنه اجتهد في مصادمة نص صريح؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من طعام) ، ومعلوم يقيناً أن قيمة الصاع من الزبيب تختلف عن قيمة الصاع من التمر، فالمسألة ليست مسألة قيمة؛ لأن صاع التمر يختلف عن صاع الزبيب من ناحية الثمن، فصاع الزبيب يمكن أن يأتي بخمسة وعشرين جنيهاً، وصاع التمر يمكن أن يأتي بخمسة جنيهات، أو بعشرة جنيهات.

وأنا لا أقرر المسألة، لكن أذكر الأقوال في المسألة، أما أنا فلا أخرج إلا طعاماً، لكن لا أستطيع أن أقول: إن من أخرج الزكاة قيمة تبطل زكاته؛ لأنه أولاً بنى على اجتهاد علماء أفاضل، وعليه مذهب من المذاهب، لكن متى نحكم أن القيمة لا تجزئ؟ إذا لم يكن الطعام متوافراً؛ لأنها لم تفد الفقير بشيء.

وأقول: نحن نخرج كما أخرج رسول الله عملاً بظاهر النص: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب) .

وأيضاً أراعي أحوال الناس من ناحية كون القيمة يستطاع الانتفاع بها، أو لا يستطاع؟ وأمر ثالث: لا أثبت هذه القيمة بشيء ثابت، فمن شاء أن يخرج قيمة الزبيب أخرج، ومن شاء أن يخرج قيمة البر أخرج، لكن القطع ببطلان من أخرج القيمة وأن زكاته لا تجزئ لا أستطيعه، ولا أتحمله.

وأنا آخذ برأي أكثر العلماء، وأخرج الأنفع للفقير، وهو ما نص عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن لا أستطيع القطع ببطلان من أخرج القيمة ولا أتحمله.

وتحديد القيمة بـ (دينار) ليس بصحيح؛ لأن العملة تتغير من زمن إلى زمن، فأحياناً الأرز -مثلاً- يباع بدينار، وأحياناً الدينار لا يأتي بربع صاع الأرز، على حسب اختلاف العملات.

وهب أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال -مثلاً-: صدقة الفطر دينار.

والدينار يعادل -مثلاً- نصف ريال سعودي، فالريال السعودي كان إلى عهد قريب تستطيع أن تشتري به كميات هائلة من الطعام، أما الآن فما تستطيع أن تشتري الذي كنت تشتريه بالريال من قبل.

فإذا أثبتنا القيمة يأتي زمن والقيمة لا تنفع الفقير بحال من الأحوال.

أما وقت إخراج الزكاة فأنسب الأوقات وأنفعها بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى صلاة العيد.

أما الوقت المختار عند الأكثرين فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ومن العلماء من أجازها طيلة رمضان.

وهناك مسائل في الشرع ليس هناك أحد يفكر فيها، حتى أهل الإحسان، وهي كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فما هناك أحد يفكر أبداً أنه يكسو عشرة مساكين من أجل كفارة يمين.

حتى الأثرياء يكفر أحدهم بإطعام عشرة مساكين، أما أن يكفر بتحرير رقبة عن يمين فهذا مستحيل، لكن ورد من تصرفات أم المؤمنين عائشة أنها كانت أقسمت أيماناً وعقدت الأيمان ألا تكلم عبد الله بن الزبير لأنه قال: لتنتهين أم المؤمنين عن كذا وكذا أو لأحجرن عليها، فأقسمت وعقدت أيماناً ألا تكلمه طيلة حياتها، ثم احتال عليها عبد الله بن الزبير بحيلة حتى يدخل عليها؛ إذ هي خالته، فجاء مع بعض أحد محارم أم المؤمنين من الرضاعة، فطرق عليها الباب فقالت له: من؟ قال: أنا فلان.

قالت: ادخل، قال: أدخل ومن معي؟! قالت: أدخل ومن معك.

فدخل عبد الله بن الزبير معه، ووثب على رأسها يقبل رأسها ويبكي؛ وهي تبكي وتقول: يميني ماذا أصنع بها؟ ثم إنها أعتقت في هذا اليمين عدة رقاب.

فمن العلماء من يقول: يستحب مضاعفة الكفارة وليس إيجاباً.

أي أن اليمين إذا كانت مغلظة تغليظا شديداً كفّر عنها بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كما قال الله، ولكن لا مانع من أن تكفر عنها بما هو أفضل من ذلك، ولك ثواب.

وهذه اليمين التي تكفر ليست اليمين الكاذبة، فاليمن الغموس لا كفارة لها عند الجمهور، واليمين الغموس: هي اليمين التي أقسمها رجل ليقتطع بها مال امرئ مسلم ولا كفارة لها إلا إذا ردت المظلمة إلى أهلها.

وإذا أقسم كاذباً ليس لاقتطاع حق امرئٍ مسلم وإنما ستراً على شخص مثلاً، أو لأي سبب فهو آثم؛ لأنه كاذب، لكن كونه يكفر بكفارة مادية لإطعام عشرة مساكين، أو لا يكفر فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى يرى أنه يكفر؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة:٨٩] ، وجمهور العلماء يرون أن هذه لا كفارة لها.