[عدم استطاعة الرجل العدل بين النساء في المحبة القلبية]
فقوله تعال:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}[النساء:١٢٩] أي: لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في المحبة القلبية ولا في الجماع، حتى نبينا عليه الصلاة والسلام لم يستطع العدل في هذا الباب؛ لأن قلبه ليس بيده صلى الله عليه وسلم، فقد ورد فيه حديث متكلم في إسناده عن النبي عليه الصلاة والسلام:(أنه كان يقسم بين النساء ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) .
فالقسمة في المحبة القلبية والجماع غير مستطاعة، ولذلك ترى تفاضلاً بين محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة، ومحبته لزوجة أخرى، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:(من أحب الناس إليك يا رسول الله؟! قال: عائشة) .
وغارت عائشة من رسول الله أيضاً؛ لما كان يكثر من ذكر خديجة؛ ولأنه كان إذا ذبح الذبيحة يرسل بجزءٍ منها إلى صديقات خديجة رعاية للعهد:(فاستأذنت هالة بنت خويلد على رسول الله، فارتاع لها النبي عليه الصلاة والسلام وقام فزعاً من مكانه، قائلاً: اللهم هالة، فغارت عائشة غيرة شديدة وقالت: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين هلكت في غابر الدهر، أبدلك الله خيراً منها قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إني رزقت حبها) ، فالمحبة تختلف من شخص إلى شخص.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية التخيير:{إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ}[الأحزاب:٢٨] بدأ بـ عائشة وقال: (إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) ، لكن لم يقل هذا الكلام لغيرها، بل قد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حفصة وراجعها.
وفي الحديث:(قالت عائشة لرسول الله: يا رسول الله! لو نزلت واديين يا رسول الله بهما أشجار فوجدت شجرة أُكل منها، وشجرة لم يؤكل منها، ففي أيها كنت ترتع بعيرك يا رسول الله؟ قال: في الشجرة التي لم يؤكل منها) .
تشير إلا أنه لم يتزوج بكراً غيرها، فالمحبة القلبية غير مستطاعة، والعدل في المحبة القلبية لا يطاق ولا يستطاع، فهذا هو الحكم في قوله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[النساء:١٢٩] .