{وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}[الأنبياء:٣١] هل في هذا دليل على أن الأرض ساكنة لا تتحرك؟
الجواب
ليس صريحاً، في قوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[النمل:٨٨] في هذه الآية مبحث دقيق حيث أن (الواو) في قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}[النمل:٨٨] هل هي: واو الابتداء أو واو العطف؟ الآية التي قبلها تتحدث عن يوم القيامة:{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى}[النمل:٨٧-٨٨] هل الواو هنا عاطفة؟ يعني: وترى يوم القيامة الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، أو هي بدائية، وترى الآن الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب؟ من العلماء من يقول: إن هذا يوم القيامة ويستأنس بقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}[النبأ:٢٠] فإن قال قائل: يوم القيامة ترى الجبال تحسبها جامدة.
أي: يوم القيامة أنت إذا نظرت إلى الجبال تراها جامدة أمامك بنص الآية الكريمة، لكن رب العزة قال:{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ}[المعارج:٩] فيراها الرائي وهي كالعهن، فالخلاف اللغوي في تحديد الواو في قوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}[النمل:٨٨] هل هي واو العطف وأن ذلك يوم القيامة أم هي واو الابتداء ويكون عليه التفريع الوارد في هل الأرض ثابتة أو متحركة؟! كما تقدم.
فمثلاً: في قوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}[محمد:٣٥] الواو في قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}[محمد:٣٥] هل هي واو ابتداء أو واو الحال؟ يعني: لا تهنوا وتدعوا إلى السلم في حال كونكم أعلون، أو لا تهنوا وتدعوا إلى السلم مطلقاً وأنتم الأعلون مستقبلاً.
فهنا (الواو) لا تستطيع أن تحزمها بمجرد العطف إلا إذا تدخلت سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك، ففي سنة الرسول أن الرسول إذا كان ضعيفاً طلب الصلح، ومطلب المصالحة عليه الصلاة والسلام، فلما حاصرته الأحزاب عرض على الأنصار أن يعطي الأحزاب ثلث ثمار المدينة على أن ينصرفوا عن النبي عليه الصلاة والسلام، وتصالح الرسول عليه الصلاة والسلام في عدة مرات مع الكفار، وخالد بن الوليد رضي الله عنه انحاز بالجيش يوم مؤتة، ورجع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالسنة تتدخل لضبط مثل هل الأشياء الدقيقة.
فلذلك المفسر اللغوي أو البلاغي الذي ليس عنده رصيد من سنة رسول الله تجده يسبح مع العقل أو مع اللغة فيفسر بما تقتضيه اللغة وما يقتضيه العقل؛ فيحيد في كثير من الأحيان عن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودائماً حجج اللغويين تكون واهية، فقد يأتي بقياس ولكن يؤتى له بقياس أحسن من قياسه؛ فلذلك سنة الرسول تكون ضابطة للمسألة.
هذا بالنسبة لمسألة:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[النمل:٨٨] ، فالأدلة فيها من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام قليلة وشحيحة، وما تقدم هو رأي بعض أهل العلم، والجمهور على أن الآية:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[النمل:٨٨] أن ذلك يوم القيامة، وبنوا تأويلهم للواو على ما سمعتموه.
ومن أهل العلم من قال: لا يمنع أن تكون الواو واو الابتداء، والله سبحانه وتعالى أعلم.