{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون:٤] ، وما المراد بالخشب المسندة؟ الخشب المسندة على الجدران، فهي خشب لا فائدة منها إلا شغل المكان، فالخشبة قد يكون لها فائدة، وهي أنها تحمل سقفاً مثلاً، أو خشبة قامت مقام العمود الذي يحمل السقف، لكن هؤلاء خشب مسندة على الجدران لا فائدة منها إلا أنها شغلت المكان فحسب.
وعند هذه الآية أثار العلماء بحثاً، ينصب هذا البحث على أدب الجلوس لطلب العلم، فإذا كان هناك أقوام جلوس في المسجد أثناء درس علم مثلاً، كلٌ قد أخذ له مكاناً مريحاً، هذا وراءه عمود، وهذا ذهب إلى جدار في مكان مريح ليس غرضه أن يفهم، المهم أن يستريح جسمه، وليس حريصاً على العلم، فلا يبالي فهم أو لم يفهم؛ فكان أهل النفاق هكذا، أهم شيء عند المنافق منهم أن يبحث عن مكان مريح يجلس فيه في المسجد، فلا يبالي! كما قال الله سبحانه في شأن الفئات الأخرى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}[محمد:١٦] جالس يستمع في المسجد، {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا}[محمد:١٦] ، أي: هذا الرجل ماذا كان يقول؟ هذا مضمون كلامهم.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ}[محمد:١٦] ، فهم جالسون يستمعون خطب الرسول عليه الصلاة والسلام وأقواله، ولكن أهم شيء عندهم الجلوس في مجلس مريح، فلا يبالون بالحديث من أصله، {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا}[محمد:١٦] صاحبكم هذا ماذا كان يقول في المجلس؟ فهذا شأنهم، وصفهم ربنا سبحانه فقال:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون:٤] ، أي كأنهم خشب مستندة إلى جدار.
وفي حديث الثلاثة الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو يدرس أصحابه أدب لطلاب العلم، فأحدهم وجد فرجة في المجلس فأقبل وجلس فيها، والآخر جلس في آخر المسجد، والثالث أدبر وأعرض، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أما هذا فأقبل فأقبل الله عليه، وأما هذا فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما هذا فأعرض فأعرض الله عنه) .
فللجلوس في مجالس العلم آداب، منها ما يستنبطها العلماء من حديث جبريل ومجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه) ، ثم بدأ يسأل صلى الله عليه وسلم، ولا يمتثل كل ما جاء في حديث سؤال جبريل عليه الصلاة والسلام، وإنما يؤخذ منها أدب السؤال كما صنع جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.