قوله تعالى:(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) من العلماء من قدر هنا محذوفاً فقال: وإن لم يقر لك الذين كفروا بالشهادتين وكذبوك فالله يشهد بما أنزل إليك فقد أنزله بعلمه، بني على أن هناك حذفاً في السياق.
والحذف يرد كثيراً في مواطن من كتاب الله سبحانه وتعالى، ويقدره العلماء بتقديرات مختلفة، فمثلاً: قول الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:١-٣] ، أقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء ذات البروج، وباليوم الموعود، وبشاهد ومشهود، ما هو جواب القسم؟ للعلماء فيه وجهان: وجه يقول: إن جواب القسم مذكور في قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ}[البروج:٤] ، أي: لُعن أصحاب الأخدود، فالله يقسم بالسماء ذات البروج، وباليوم الموعود، وبالشاهد والمشهود، أن أصحاب الأخدود لعنوا، أي: لعن الذين خدوا الأخاديد للناس.
ومنهم من قال: إن جواب القسم هو قوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:١٢] أي: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:١-٣] جوابها: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:١٢] .
ومن العلماء من قال: إن جواب القسم محذوف، وهو قول الطبري رحمه الله تعالى، فإنه قال: فُهم جواب القسم من السياق.
فمن العلماء من قدر المحذوف، فقال:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:١-٣] ، لتُختبرُن يا أصحاب محمد كما اختبر من قبلكم من المؤمنين، ولينتقمن الله ممن ظلمكم وفتنكم كما انتقم الله سبحانه وتعالى ممن ظلم المؤمنين وخد لهم الأخاديد.
فأحياناً يكون في الكلام حذف يفهم من السياق، ولا يقولن قائل: إن الحذف لا يوجد في كتاب الله، فالإجابة على ذلك: أن كتاب الله نزل بلسان عربي مبين، فما تحتمله لغة العرب يحتمله كتاب الله سبحانه وتعالى، فإنه قد نزل بلغة العرب.
فقوله تعالى:(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ) أي: إن لم يقر هؤلاء الكفار بالقرآن ويشهدوا أن لا إله إلا الله وأن القرآن نزل من عند الله، فالله يشهد بما أنزل إليك.