للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره.]

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:١٠] إن قال قائل: في هذه الآية أن كتاب بعض الناس يؤتى من وراء الظهر وآيات أخرى فيها أن الكتاب يؤتى بالشمال فكيف يجمع بين الآيات التي فيها أن الكتاب يؤتى بالشمال كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:٢٥] وغيرها من الآيات التي فيها أن الكتاب يؤتى من وراء الظهر كهذه الآية؟ أجاب عددٌ من العلماء: بأنه لا يمتنع أن يؤتى العبد كتابه بشماله وراء ظهره.

أي: يأخذه بيده اليسرى من خلف ظهره، قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} [الانشقاق:١٠] أي: كتاب أعماله ((وَرَاءَ ظَهْرِهِ)) أي: بشماله ويده الشمال موضوعة خلف ظهره ويتناول كتابه على هذا الوجه.

{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:١١] (ثبوراً) .

هلاكاً فيدعو على نفسه بالهلاك، كما قال تعالى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠] وهذا الموقف من المواقف التي هي في غاية الحرج والرعب يوم القيامة، فمواقف يوم القيامة كلها أهوال إلا على من خفف الله عنه، ومن أشد هذه الأهوال: وقت تلقي الكتب وتطاير الصحف، وعرض الأعمال على الموازين، والمرور على الصراط، فدعوى المرسلين على جنبتي الصراط: (رب سلم سلم) فهذه كلها مواقف يواجهها العبد يوم القيامة فيأتي وقت استلام الكتاب والله أعلم هل يناول الكتاب باليد اليمنى ويمد يمينه لتلقي كتابه أو يتناوله باليد اليسرى من وراء الظهر؟ وهل يمر على الصراط كالبرق أو يتعثر على الصراط أو يسقط؟ هل ترجح كفة حسناته أم تطيش؟ كلها أهوال، والمعافى من عافاه الله، قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:١٠-١١] يدعو على نفسه بالهلاك؛ ولكن كما قال تعالى: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} [الفرقان:١٤] أي: هلاكاً واحداً {وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:١٤] أي: لا تقولوا: يا رب الهلاك مرة ولكن قولوها مرات.

{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} أي: يقول: واثبوراه {وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:١٢] أي: يدخل السعير مصلياً بحرها {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق:١٣] أي: كان في الدنيا مسروراً لا يخاف الآخرة ولا يرجو لها حساباً {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:١٤] (يحور) يرجع.

والمعنى: يرجع حياً بعد موته {بَلَى} [الانشقاق:١٥] بلى ليحور، أي: بلى ليرجعن {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق:١٥] .