للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الضرب في الأرض]

وقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] ، من العلماء من قال -كـ السيوطي رحمه الله تعالى-: إن هذه الآية أصل في التجارات، ألا وهي قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] ، فالسفر والضرب في الأرض وطلب الرزق ليس بطاعن في دين العبد، بل هو شيء مستحب، وقد تقدمت جملة أدلة في ذلك، منها قول الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:٢٠] ، وقال عمر: ألهاني الصفق في الأسواق، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يلهيهم الصفق في الأسواق، وكنت أصحب النبي صلى الله عليه وسلم على شبع بطني، أو كما قال.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] ، ففيها بيان مشروعية التجارة والاكتساب والسفر طلباً للرزق الحلال.

وقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] ، أي: كل في تخصصه: التاجر في تجارته، والمجاهد في جهاده، والمصلي في صلاته، والقارئ في قراءته، {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:٢٠] ، (اقرءوا ما تيسر منه) أي: من القرآن في صلاة الليل أو بصفة عامة، فعلى هذا أصبحت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى -على رأي الجمهور-: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:١-٢] ، وقد قدمنا أن قيام الليل كان واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، ثم نسخ بهذه الآية: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المزمل:١٩-٢٠] أي: حافظوا على أدائها وركوعها وسجودها {وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المزمل:٢٠] .