للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من قال بفناء النار]

{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] أي: ماكثين، وقد يتوهم متوهم من هذه الآية الكريمة أن النار لها أمد معدود ومعلوم، وستنتهي بعد هذا الأمد المعدود والمعلوم لقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} ، وقد وقع في هذا الخلل عدد من العلماء، فزعموا أن النار ستفنى مستدلين بقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} ، قالوا: وبعد الأحقاب فناء.

واستدلوا أيضاً في هذا الباب بقول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:١٠٦-١٠٧] ، لكن أجاب عليهم جمهور أهل السنة من وجوه حاصلها: أنهم لو أمعنوا النظر في هذه الآية نفسها والآية التي بعدها لعلموا أن الصواب خلاف ما ذهبوا إليه، فالله سبحانه وتعالى قال في هذه الآية: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا} [النبأ:٢٣-٢٤] ، أي: في هذه الأحقاب، {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ:٢٥] ، أي: طعامهم في هذه الأحقاب الحميم والغساق، {جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ:٢٦-٣٠] ، فوقت الأحقاب طعامهم الحميم والغساق، وبعد الأحقاب هل هناك تخفيف؟ الآية نفت ذلك فقال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} .

وأجاب أهل السنة على قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:١٠٧] ، فقالوا: إن الله شاء ألا يخرجوا منها، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] ، وقال تعالى: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:٧٤] ، وقال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الموت يذبح على قنطرة بين الجنة والنار، وينادى: يا أهل النار! خلود فلا موت، ويا أهل الجنة! خلود فلا موت) .

والآيات في هذا الباب ترد على قائل هذا القول رداً شديداً، فالنار لا فناء لها، قال تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:٧٤] ، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء:٥٦] ، {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:٤٨] ، {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:٣٦] .