للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاناة موسى من قومه وأذيتهم له]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: فيقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥] .

في قول موسى عليه الصلاة والسلام: {يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} ، خطاب لقومه؛ فموسى صلى الله عليه وسلم إسرائيلي النسب، أي: ينتهي نسبه إلى إسرائيل وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام، فيعقوب صلى الله عليه وسلم هو إسرائيل، وهو المذكور في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران:٩٣] ، فإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسلام، وبنوه كانوا من المفضلين على العالمين، كما قال الله جل ذكره في شأن بني إسرائيل -وهم أولاد يعقوب وذريته-: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان:٣٢] ، وقال سبحانه: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:٤٧] ، فكانت هذه القبيلة التي هي سلالة وذرية إسرائيل عليه الصلاة والسلام أفضل الأمم في زمانها بنص الكتاب العزيز: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} .

قال موسى عليه الصلاة والسلام لقومه: {يَا قَوْمِ} فهم قبيلته.

{لِمَ تُؤْذُونَنِي} ، وقد تقدم أن الأذى كان أذى في العقيدة، وأذى شخصياً أيضاً، فاجتمع له أذى في شخصه، وأذى في صلب الدين، كما في قولهم: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:١٣٨] ، وكما في قولهم في شأن العجل: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:٨٨] ، وكانوا يؤذونه في عموم الدين عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله سبحانه وتعالى في جملة مواطن إذ قالوا لموسى: {َاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] .

وآذوه أيضاً في شخصه فاتهموه باتهامات ذكرها المفسرون، منها: أنهم اتهموه بعدم كمال الخَلق في جسده، فقالوا: إنه آدر، أي: عظيم الخصية، واتهموه أيضاً بأنه زنا بامرأة أرسلها له قارون كما في بعض الآثار، واتهموه بأنه هو الذي قتل هارون عليهما السلام.

فيقول لهم: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُون} و (قد) هنا للتحقيق، فهم يعلمون أنه رسول الله إليهم؛ إذ أنجاهم الله على يديه من فرعون.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ، أي: لما سلكوا طريق الزيغ سُهل لهم هذا الطريق، وقد تقدمت المباحث في هذا، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .