للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تأخير قضاء الصوم حتى مجيء رمضان الآخر]

السؤال

امرأة وضعت قبل رمضان الماضي بشهر ونصف وما زالت في حالة رضاعة حتى الآن، فهل تكفر عن رمضان الماضي مع العلم بأنها ضعيفة البدن؟

الجواب

شخص عليه صيام من رمضان الماضي يجب عليه قضاؤه، وسيدخل عليه رمضان الآتي وهو لم يصم القديم، فكثير من الفقهاء يفتون فيقولون: إذا دخل عليك رمضان جديد ولم تصم فلتكفر بإطعام، لكن هذا القول ليس عليه دليل، فهل منكم أحد يذكر دليلاً يشهد لهذا القول المتداول؟ فرب العزة يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] ، فالآية الكريمة أطلقت قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] لم يحدد الله لنا سنة أو سنتين أو ثلاثة، بل الآية الكريمة أطلقت، فالذي يقيدنا ويقول: لزاماً أن تصوم قبل رمضان القادم؛ عليه أن يأتينا بالدليل، والذي يقول: عليكم بكفارة إذا دخل رمضان ولم تصوموا، فعليه بالدليل، فالدليل هو الحكم {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] ، والبعض يستدل بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان يكون عليّ الأيام من رمضان فلا أستطيع أن أقضيها إلا في شعبان، للشغل برسول الله عليه الصلاة والسلام) لفظة: (للشغل برسول الله عليه الصلاة والسلام) ليست من قول عائشة وإنما ذكرها يحيى القطان، وهو الذي فهم ذلك، لما قالت: (لا أستطيع أن أقضيها إلا في شعبان) ، قال يحيى: للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم، هي لم تقل هذه اللفظة، لكن على فرض أنها قالتها أم لم تقلها ليست هذه محل المناقشة، وإنما قولها: (لا أستطيع أن أقضيها إلا في شعبان) ، لا يفيد إيجاب القضاء قبل دخول رمضان، وإنما هو فعل استحبته عائشة، فاستحبت ألا تتراكم عليها ديون من رمضان السابق مع رمضان الآتي، لكن جعله كدليل يوجب كفارة على من أخر الصوم السابق حتى دخل الآخر لا يصح، ولا أعلم دليلاً، والآية صريحة في هذا {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] ، فأطلقت لنا ولم تقيدنا، والذي يقيد عليه أن يأتي بالدليل، والمجال مفتوح لمن عنده أي دليل يلزم به.

وأما قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤] ليست في محل النزاع في الأصل، فهذا كان في أول الإسلام، فالشخص في أول الإسلام كان مخيراً بين صيام رمضان وبين الإطعام، وإن كان مستطيعاً للصيام، لكن نسخت بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] ، لكن قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] ليست منسوخة.

فما دام أنكم لا تحفظون دليلاً لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله، والله يأمرنا عند النزاع أن نرد الأمر إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالأصل أن الذمم بريئة، وتقضي متى شاءت، لكن ينبغي أن الديون تؤدى سريعاً، فصحيح من هذا الباب، لكن أن تفرض عقوبة فهذا ليس عليه دليل.

وأما إذا مات قبل أن يقضي ما عليه من صيام فالنزاع في شأنه قائم على تفصيل واسع، فمن العلماء من يستدل بعموم حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) ، فيقول: يقضي عنه أولياؤه، وبعض أهل العلم يفصل تفصيلاً آخر فيقول: إذا جاء رمضان وانتهى وهو مريض وأفطر فيه، ثم استمر به مرضه بعد رمضان إلى أن مات فليس عليه ولا على أوليائه أي نوع من أنواع القضاء، إذ مرضه متواصل، ولم تأتِ فرصة كي يصوم فيها، أما إذا جاء رمضان وأفطر فيه أياماً ثم انتهى رمضان وشفاه الله زماناً يمكن فيه القضاء ولم يقضِ فقد أصبح القضاء معلقاً في الذمة، فيقضي عنه الأولياء إذا مات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) وكذلك المرأة التي أتت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم تحج قال لها: أفرأيتي لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيته؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: فدين الله أحق أن يقضى) ، وهل يؤخذ من هذين الحديثين أن على الأبناء أن يحجوا وأن يصوموا عن آبائهم الذين فاتوا وعليهم صوم وحج أم أن هذا على الاستحباب؟ الجواب: هذا على الاستحباب على قواعد الجمهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصيام، فقال له قائل: (هل عليّ غيره؟ قال له: لا؛ إلا أن تطوع) ، فهو على الاستحباب لا على الإيجاب، والله لم يوجب على شخص ثلاث حجات: حجة عن نفسه، وحجة عن أمه، وحجة عن أبيه، إنما هو على سبيل الاستحباب.