للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العلماء في وجوب قصر الصلاة للمسافر]

قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء:١٠١] أي: ليس عليكم إثم، وقد استدل بها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة من أهل العلم: على أن القصر ليس بواجب إنما هو مستحب؛ لأن الله قال: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:١٠١] ، فنفي الجناح لا يقتضي الوجوب، فإذا قلت لك: لا جناح عليك أن تسافر، فليس معناه: يجب عليك السفر، إنما إذا سافرت فليس عليك إثم.

ومن هذا الباب: قوله تعالى في الصفا والمروة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:١٥٨] أي: فلا إثم عليه أن يطوف بهما، وقد يقول قائل: إذاً السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب لهذه الآية: ((فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)) [البقرة:١٥٨] أي: لا إثم عليه، وكذلك القول في مسألة قصر الصلاة: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:١٠١] أي: لا إثم عليكم، فلا يستفاد الوجوب.

والحقيقة أن الوجوب لا يستفاد لا في السعي بين الصفا والمروة، ولا في قصر الصلاة من الآيتين، وإنما يستفاد عند من رأوا الوجوب خاصة في قصر الصلاة من نصوص أخرى.

ما هو الدليل على وجوب القصر عند من قال بوجوبه؟ الدليل الأول: قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (فرضت الصلاة مثنى مثنى، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) وقد استدل به فريق من العلماء على وجوب القصر.

الدليل الثاني: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره، فلم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أتم في أي سفرة سافرها.

وجمهور أهل العلم قالوا: إن القصر في السفر مستحب وليس بواجب، فمن أتم في السفر فصلاته صحيحة ليست بباطلة، وقالوا: إن قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (فرضت الصلاة مثنى مثنى) عورض بقول ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه: (فرضت الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) .

قالوا: فهذا صحابي بين أن الصلاة فرضت أربعاً في الحضر واثنتين في السفر.

وقالوا هذا لكي يعكروا الاستدلال بحديث عائشة، ولكنهم في الحقيقة وافقوا أثر عائشة رضي الله عنها، والأثران متفقان على أن صلاة السفر ركعتان، لكن الخلاف في أصل فرض صلاة الحضر هل كانت اثنتين أو أربعاً، وهذا خلاف لا يضر؛ لإجماع العلماء على أن صلاة الحضر أربع ركعات.

وقد استدلوا على عدم الوجوب بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:١٠١] وبفعل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لما صلّى بالناس بمنى، ولا شك أن الآتي إلى منى في الحج يكون مسافراً، ولكن عثمان صلّى بالناس الظهر أربع ركعات، وتابعه على ذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى الذي لم يوافقه في الرأي كـ ابن مسعود الذي قال: (لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنىً ركعتين، ومع أبي بكر بمنىً ركعتين، ومع عمر بمنىً ركعتين، فياليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان) ومع هذا القول إلا أنه تابعه على الصلاة وصلى معه، فلو كانت باطلة لما صلّى معه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.