للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله.)

ثم قال سبحانه: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:٢٢] ، هذه الآية فيها وقفات: أحد هذه الوقفات: أنه ينبغي أن يعلم أن المودة غير البر والصلة، فالبر والصلة شيء، والمودة والمحبة القلبية شيء آخر، فالبر والصلة مشروعتان للمسلم في حق الكافر غير المحارب؛ وذلك لقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨] ، وقالت أسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن إمي أتتني وهي راغبة - فيها قولان: هل راغبة في الإسلام، أو راغبة عن الإسلام؟ - أفأصل أمي يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلي أمك، ونزل قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة:٨-٩] ) ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا اليهود، ويقبل هدايا الكفار، ويهدي أيضاً لليهود، ويهدي أيضاً للكفار عليه الصلاة والسلام، قَبِلَ من المقوقس مارية رضي الله تعالى عنها، وقبل أيضاً من اليهودية شاة دعته إليها، وقبل من ملك أيلة بغلة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبها، وقبل هدية أيضاً من أكيدر دومة الجندل، وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص ذبح ذبيحة، فقال لأهل بيته: (أهديتم لجارنا اليهودي؟) ، فهي نصوص عامة، فهناك فرق بين البر والصلة، وفرق بين الموالاة والمحبة القلبية، فالبر والصلة أمرنا به وحثنا عليه شرعنا مع غير المحاربين من الكفار، أما الموالاة القلبية فلا، والله أعلم.

يقول الله سبحانه وتعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان} [المجادلة:٢٢] ، أي: أثبت الله في قلوب هؤلاء البراءة من الكفر وأهله، وإن كانوا من الأقارب أو العشائر، وكتب الله الإيمان في قلوب هؤلاء الذين تبرءوا من الكفار.

وقوله: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان} [المجادلة:٢٢] ، أي: جعله في قلوبهم، ومن العلماء من يقدر محذوفاً فيقول: كتب في كتابه أنهم أهل إيمان، ولكن هي كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:٧] .