[حكم سفر المرأة بدون محرم]
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لطلب علم خاصة وأنها سوف تستغرق يوماً واحداً؟
الجواب
إذا دعت الضرورة إلى ذلك جاز، وفي الحقيقة أن هذه قضية خاصة ما أدري هل نفتي بها أو نمسك بها بعض الشيء؟! لأنها تعتبر كفتوى وتقدر بقدرها، فمثلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر المرأة بدون محرم، فهل ينظر إلى العلة من نهيه عليه الصلاة والسلام أو يوقف مع النظر ويغض الطرف عن النظر إلى العلة؟ فهذه مسالك للعلماء: فمن العلماء من ينظر ليس في هذه المسألة لخصوصها، بل ينظر في عموم الأحاديث إلى العلة من وراء هذا الحديث.
وبعض العلماء يقف على متن الحديث، ويبني عليه الحكم دون نظر إلى ما وراءه من العلة، فمثلاً: الخلط والنبذ، فمثلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن نبذ الخليطين، يعني: أن تأتي بتمر وزبيب، وتنقع هذا مع هذا، هل أبني على هذا أنك إذا طرحت زبيباً وتمراً في ماء يحرم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخليطين أو أمعن النظر في سبب النهي وأدور مع العلة كما تدور؟! فمثلاً من العلماء من قال: إن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نبذ الخليطين لأنه -يعني: التمر والزبيب- إذا نقعا معاً يسرع إليهما التخمر، فقد تأتي تشرب الشيء المنبوذ وتظن أنه لا يسكر فتفاجأ أنه قد أسكر.
ونظر فريق منهم إلى العلة وقال: إن الشراب حلال ما لم يصل إلى حد الإسكار، وأجرى هذا المجرى في حديث النهي عن الانتباذ في الظروف، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الحنتم والمقير والمزفت والنقير؛ لأن هذه القدور تسرع بالنبيذ إلى الإسكار، ثم في آخر الأمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الظروف فانتبذوا ولا تشربوا مسكراً) ، فهل ينسحب هذا على الخليطين أيضاً، أي: اخلطوا ولا تشربوا مسكراً؟! الشاهد: أن من العلماء من يدور مع العلة من وراء هذه الأوامر، ومنهم من يقف عند الحديث.
مسألة: سفر المرأة بدون محرم، إذا كانت هناك ضرورة يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، إذ الضرورات تقدر بقدرها، والضرورة تجيز للشخص أن يأكل الميتة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨] .
ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تسافر المرأة مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها محرم، وورد أنه نهى أن تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا ومعها محرم، وورد أنه نهى أن تسافر المرأة مسيرة ليلة إلا ومعها محرم، وورد أنه نهى أن تسافر المرأة مسيرة بريد إلا ومعها محرم، وورد أنه نهى أن تسافر المرأة دون قيد إلا ومعها محرم.
فبالنسبة للناحية الأصولية: هل المطلق يحمل على المقيد؟ نقول: إن الروايات المطلقة كحديث ابن عباس نهى أن تسافر المرأة بدون محرم قيدتها الروايات الأخرى بالليلة أو الليلتين أو الثلاث أو البريد، ونقول: ما دون ذلك يجوز للمرأة أن تسافر أو أن الروايات المطلقة قضت على الروايات الأخر، وغطت عليها كما قال النووي وابن حزم، روايات ابن عباس هي القاضية على الروايات كلها التي فيها أن النبي نهى أن تسافر المرأة إلا ومعها محرم؟! فهذه جزئية ينبغي أن تحرر بشيء من الدقة، والقول فيها ليس واحداً، وإن كنا نجنح إلى قول النووي رحمه الله تعالى.
جزئية أخرى: هل ينظر إلى مخرج حديث الرسول عليه الصلاة والسلام في الوقت الذي قال فيه الرسول هذه المقولة أو لا ينظر؟ يعني: الرسول قال الحديث في وقت خطورة الأسفار، وفيها صحاري يعني: إذا سافرت من المدينة إلى خيبر -مثلاً- فهي مسافات شاسعة تمشيها المرأة منفردة، لا بد حتى لو مشت ساعة واحدة أو نصف ساعة أن يتسلط عليها شرير، فيعبث بها وينصرف ولا أحد يعلم، ولا رقيب إلا الله سبحانه وتعالى، فكون المرأة معرضة للفساد لا شك أنه متحقق في مثل ذلك الموطن، لكن لو أن شاباً أعزب في السعودية عقد على امرأة هنا في مصر، هو مصري يعمل في السعودية وعاقد على امرأة في مصر، وأراد أن يأتي بزوجته، فهو يقول في نفسه: وجودي بدون زوجة أخشى على نفسي الفتنة، خاصة إذا كان في بلد فيه نساء متبرجات، قال: أخشى على نفسي الفتنة، وزوجتي في بلدتي أخشى عليها أيضاً الفتنة، وهو يريد أن تأتي إليه زوجته.
ويقول: أنا أرغب أن آتي بها، لكن أموالي لا تسمح لي أن آتي بها مع محرمها، فهذا يكلف مبلغاً ليس قليلاً، هل أصبر على ما أنه فيه من العنت، وهي تصبر، أو يجوز لأخيها مثلاً أن يوصلها إلى المطار وأنا أستقبلها في مطار السعودية، والرفقة الآمنة موجودة في الطائرة، والتواطؤ على الفاحشة صعب في مثل هذا الموقف، فهل تتنزل على مثل هذه الحالة أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي صدرت على قوم كانوا في البادية أو لا تتنزل؟ والكلام هذا لا نقوله في محاضرة عامة، بل نقوله في وسط إخواننا طلبة علم، فنقول: العلماء إذا سئلوا في فتاوى عامة بمثل هذه المسائل لا بد أن تصدر منهم فتوى تسد الذريعة، يعني: إذا قال العالم: جائز للمرأة أن تسافر في الطائرة بدون محرم، فقد تسافر بنت من القاهرة إلى باريس لوحدها، وتقول: لأن العالم الفلاني أفتى، فمثل هذه المسائل تكون جرعات من الدواء تقدم للمريض بقدر حاجته.
فأظن -والله أعلم- أن الباب لا يقفل مرة واحدة أمام الاجتهاد وأمام مراعاة المصالح الأخرى، فإنه يخاف أن تقع البنت في الفاحشة مع جارها المؤذي، أو مع ساكن آخر في البيت، وهو أيضاً يخاف أن يقع في فاحشة مع امرأة متبرجة في البلدة التي هو فيها، فتصدر فتوى بقدر الحاجة إليها، لا أسد الباب قولاً واحداً وأقول: لا تذهب، ولا يفتح الباب فتصدر فتوى عامة لعموم الناس فيظنون أنه يجوز السفر بدون محرم.