للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من استعمال نعم الله في معصيته]

قال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:٨٢] رزقكم هنا من العلماء من قال: شكركم، أي: تجعلون الشكر الذي ينبغي أن يقدم على نعم الله تجعلون مكان هذا الشكر تكذيباً، {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة:٨٢] يعني: نصيبكم من نعم الله عليكم التكذيب، وكما في قصة الحديبية، عندما أصبحوا على إثر سماء فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: قال ربكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته، فهذا مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فهذا كافر بي مؤمن بالكوكب) أي: النعم تأتي إليكم ويفترض أن تقدموا لها شكراً، لكنكم تقدمون لهذه النعم تكذيباً، فهل هذا يليق؟! بعض العلماء يجعل هذه الآية الكريمة أصلاً في أنه لا يستعان بنعم الله على معصية الله، فكثير من الناس يقع في هذا الجرم، فيستعين بنعم الله على معصية الله سبحانه وتعالى، فمثلاً: رجل ينعم الله عليه بأن يدخل بيته تلفوناً، فهذه النعمة من الله سبحانه يقلبها إلى نقمة ويجعل شكرها أنه يتصل بالفتيات والنساء للغزل، ولقبيح الكلام، وللهجر من القول، وآخر ينعم الله عليه بسيارة فيمشي بها مختالاً فخوراً متكبراً على الناس، فنصيبه من هذه النعمة التكبر والتعالي على الناس والغرور والتباهي، وآخر ينعم الله عليه بأن يأخذ مثلاً درجة أستاذ في الكلية فتجده يمشي وقد انتفخ وانتفش كأن ما على الأرض إلا هو، وكأنه سيخلد في الحياة الدنيا، وما شعر أن من تواضع لله رفعه، وأن الله ما زاد بعبد عفواً إلا عزاً، ولا يشعر بهذه المعاني أبداً إلا أنه يجعل حظه الثناء من الناس وحب الفخر وحب الظهور.

فهناك طائفة كبيرة من الناس بل هم أكثر الخلق يجعلون رزقهم أنهم يكذبون، ويستعينون بنعم الله سبحانه على معاصيه عز وجل، فربنا يذكرنا ويحذرنا من ذلك، فقال: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة:٨٢] أي: حظكم التكذيب مع نعم الله عليكم التي يفترض أن تقدموا بالشكر لله عليها، فهل يليق هذا بمؤمن عاقل؟ إنه يفترض إذا أنعم الله عليك نعمة أن تقدم شكراً لله عليها، فالنبي الكريم سليمان صلى الله عليه وسلم لما رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده ما تباهى ولا تطاول بل قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:٤٠] ، وكما قال لما أفهمه الله لغة النمل تبسم ضاحكاً من قولها وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:١٩] ، فلا ينبغي أبداً أن تقدم على نعم الله كفراً وتكذيباً، إنما يجب أن تقدم لله شكراً وتواضعاً، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧] .