قال تعالى:{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:٤] .
فنعمة الأمن نعمة يجب أن يُشكر عليها الرب سبحانه وتعالى، فمثلاً: أنت تنام في بيتك آمناً مطمئناً، وغيرك يكون نائماً ويتوقع أي يوم أن ينزل به بلاء، يتوقع أي عدو يغير عليه في الليل، يتوقع أن يهجم عليه الكفار كاليهود في بلادهم.
فنعمة الأمن تحتاج إلى شكر، وقل المتفطنون لذلك، قال الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ}[المائدة:١١] ، أي: هو الذي منعهم عنكم سبحانه وتعالى.
قال تعالى:{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:٤] ، كيف آمنهم من خوف؟ كانت القرى حول مكة يغار عليها، وتسلب أموالها، وتسبى ذراريها، وتنتهك حرمات نسائها، أما مكة فكان الرجل يلتقي بقاتل أبيه فيها ولا يعترضه بسوء، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا}[العنكبوت:٦٧] فكان المشرك يأتي إلى مكة، ويقابل من قتل أباه في الطريق فلا يعترضه بسوء؛ لأنه داخل الحرم.
وكان أهل مكة أيضاً إذا سافروا وعرف الناس أن هؤلاء من مكة وقروهم غاية التوقير واحترموهم غاية الاحترام، وخاف أحدهم أن يمس هؤلاء بسوء، وخاصة لما حدثت حادثة الفيل وجاءت طيرٌ أبابيل دمرت أبرهة بعد أن أذل أبرهة العرب.
فإن أبرهة لما قدم من اليمن، فكانت كل منطقة يمر بها ينزل بها العذاب، وينتقم من أهلها أشد الانتقام، فلما جاء أبرهة وحل به ما حل على مشارف مكة، عندها وقّر العرب أهل مكة غاية التوقير، ووقّر العرب حرمات مكة غاية التوقير بعد ذلك؛ لأنهم قالوا: هذا أبرهة ملك صُنع به الذي صنع، فدل هذا على حرمة هذه البلدة وعلى حرمة أهلها، فهذا سبب توقير الناس للقرشيين.