قوله تعالى:(وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا) هذه الآية الكريمة فيها رد على القدرية الذين يزعمون أن لا قدر، وأن الأمور لم تكتب على العباد، فهذه الآية أفادت أن الأمور مكتوبة ومسجلة على العباد، فقد جفت الأقلام، وطويت الصحف كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:٥٢] ، ومعنى الآية الكريمة: لولا أن الله سبحانه وتعالى قدر عليهم قبل أن يُخلقوا أنهم سيخرجون من المدينة، ويجلون إلى أرض الشام لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي والأسر، ولكنه سبحانه وتعالى كتب عليهم الجلاء، فلا بد من إمضاء ما كتبه الله سبحانه.
ومثل هذا قوله سبحانه وتعالى للمسلمين لما قبلوا الفدية من أسارى بدر:{لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ}[الأنفال:٦٨] ، أي: أنه لا يعذبكم {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:٦٨] ، وأفادت هذه الآية كذلك أن الأمور مكتوبة ومقدَّرة على الإنسان، ففيها ردٌ على القدرية.
فقوله تعالى:(لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا)) أي: لبقوا في المدينة، وحلّ بهم ما حل بسائر أصحابهم من اليهود كالقرظيين الذين حُكِم في مقاتلتهم بالقتل، وفي ذراريهم ونسائهم بالسبي.
وقوله تعالى:(وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، هذا مصير كل من يشاقق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فله في الدنيا خزي، وفي الآخرة عذاب النار، وهذا التعليل لا ينسحب على اليهود فحسب، بل على كل معاند لله، وكل معاند لشرع الله، وكل معاند لرسل الله عليهم الصلاة والسلام أياً كان.
فقوله تعالى:(ذَلِكَ) أي: ذلك العذاب الحال بهم (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .