{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}[النور:٢٦] الكلمات الخبيثة لا تصدر إلا من الأشخاص الخبثاء، والخبيثون لا تخرج منهم إلا الكلمات الخبيثة، (والطيبون للطبيات) أي: لا تصدر من الطيبين إلا الكلمات الطيبة، ولا تصدر الكلمات الطيبة إلا من الطيبين.
هذه الآية من العلماء من أولها على هذا التأويل وهم الجمهور، ومنهم من قال: إن هذا في الأزواج، فالرجل الصالح يحرص على الزواج بصالحة، والخبيث يحرص على الزواج بخبيثة، وكذلك الخبيثة السافلة المتبرجة تحرص على الزواج بسافلٍ مثلها، هذا في الأصل.
فإن عكّر معكرٌ بقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}[التحريم:١٠] ، وقوله تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}[التحريم:١١] ، فنقول إذا اخترنا التأويل الثاني: فهذا على العموم، وكل عموم له استثناءات، وقد يقع الشخص الصالح في امرأة شريرة وهو لا يدري، لقضاء قضاه الله ولأمر أراده الله.
إذاً قال قائل: كيف يجمع بين قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ}[التحريم:١٠] وبين قوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ}[النور:٢٦] ؟ فالإجابة من وجهين: أحدهما: أن المراد بـ (الطيبات للطيبين) الكلمات الطيبة تصدر من الطيبين.
والوجه الثاني: أن الحكم على الغالب، ولكل غالب استثناءات، والله أعلم.
قال تعالى:{أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}[النور:٢٦] ، مبرءون في الدنيا والآخرة، برأ الله عائشة مما رميت به في الدنيا والآخرة، وبرأ الله موسى مما رمي به في الدنيا والآخرة، وبرأ الله مريم عليها السلام، وبرأ الله يوسف صلى الله عليه وسلم.
{أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ}[النور:٢٦] فكل من طُعن فيه له مغفرةٌ على الطعون التي طعن بها إن كانت كاذبة، فإذا طعن فيك وأنت بريء؛ فبسبب الطعن فيك تكفر ذنوبٌ لك سالفة، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[النور:٢٦] ، فلينم قرير العين من طعن فيه وهو بريء، فإن رب العزة يغفر ذنوبه ويجزل له الثواب، والله أعلم.